إقبال الاحمد: كان.. فعل ماضي

أعيد واكرر ان موضوع العمل التطوعي واهميته… لا يكون فقط للفوائد التي تعود على المجتمع من الخدمات التي يقدمها المتطوع في اي مجال كان… بل المنفعة الاساسية المهمة هي في تكوين شخصية الفرد خصوصا في مرحلة الشباب… حين يكون الشاب تائها نوعا ما لا يعرف ماذا يريد واين يذهب… فاذا التقطته يد صالحة وضع رجله على الطريق… اما اذا امتدت اليه يد اخرى ترى فيه مشروع جريمة بكل اشكالها ومستوياتها.. فقد وضع رجله في مستنقع خطر.. واول من سيخسره المجتمع ذاته.

اكاد اجزم ان الشباب الذين قتلوا وساعدوا في جريمة الافنيوز لم يعرفوا يوما ما يطلق عليه العمل التطوعي يرون فيه انسانيتهم ويشعرون بقيمتهم.. فوجدوا في الشارع وترعيب الآخرين مكانا يثبتون فيه رجولتهم وقوتهم.. والفراغ بالتأكيد هو الذي قلب موازين هؤلاء من عناصر ايجابية الى عناصر سلبية على المجتمع… وهذا التحويل لا يكون الا بوجود جهات مهتمة بذلك… تعمل وتتعب وتتحمل من اجل نجاح مهمتها.

الحملة الوطنية للتوعية بمرض السرطان، من يقوم عليها متطوعون سواء في وزارةالصحة او جهات اخرى… اخذوا على عاتقهم مهمة التوعية بهذا المرض الخطر الذي يزداد يوما بعد يوم… لان التوعية فيه دون المستوى المطلوب الا الذي يؤدي الى وفاة الكثيرين لمجرد انهم لم يتعرفوا الى طرق الوقاية من مرض السرطان وضرورة الكشف المبكر تفاديا لتطوره ودخوله في مراحل متطورة يصعب بعدها العلاج.

حملة كان التي جاءت ترجمة لاستطيع.. وهي ايضا فعل ماض لفهم خاطىء لمرض السرطان انه مرض مميت في كل الاحوال.. وايضا هي تعني بالعربي بالامكان.. امكان النجاة والعلاج والمقاومة والعطاء ايضا.

وهنا نتحدث عن العطاء الذي يتطلب اكبر عدد من المعطين المتطوعين… لمساعدة المرضى في كل المراحل.. بداية في التوعية وانتهاء بالوجود بجانبهم في آخر مراحل مرضهم.

هذه الحملة، التي تأسست عام 2006، قامت بما لم تقم به وزارة الصحة بكل اجهزتها ووزارة الاعلام ايضا… وهي اليوم وبتطوع من بعض الاختصاصيين والناس العاديين تقوم بعمل جبار فرض اسم الحملة على المجتمع لايجابية ما تقوم به، حيث قامت بتدريب اكثر من 20 الف مدرسة من وزارة التربية على التوعية بمرض سرطان الثدي والفحص الذاتي.. واكثر من 150طبيبا من الرعاية الصحية، اضافة الى المحاضرات في المدارس والجامعات والمعاهد والشركات والمؤسسات.

وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ستستضيف الحملة في فبراير المقبل متخصصين واطباء من العالم في مؤتمر عالمي يبحث في استراتيجية التوعية والكشف المبكر عن هذا المرض…وكل هذا الجهد تطوعي تتحمل الحملة كل تكاليف ومصاريف الانشطة التي تقوم بها معتمدة على تبرعات المؤمنين برسالتها النبيلة.

إذا سألنا انفسنا: ماذا يجبر انسان دون غيره ان يأخذ من وقته وجهده… ويعمل في مجال لخدمة الآخرين ومساعدتهم دون مقابل ودون ايضا ان ينتظر من يقول له شكرا… انه الدافع الذاتي الذي لا يقوم الا على خدمة الآخرين… وتطويع الوقت والجهد لهذا الغرض فقط.. انها الانسانية التي تجدها متضخمة عند البعض وضامرة عند البعض الآخر.. وهنا تكمن ضرورة ابراز جمال واهمية هذا النوع من العمل.. ليتضخم عند اكبر عدد من افراد المجتمع.

هذا النوع من الانشطة التطوعية يحتاج الى من يدعمه بالجهد والمال… فالدعم المالي ضرورة جدا لتستمر هذه الجهود في عطائها واداء رسالتها.. والدعم بالجهد يتطلب وجود طاقات تطوعية جادة من الشباب من الجنسين وبتشجيع من الحكومة عن طريق وزارة التربية بحقن كل الطلبة بجرعة من اهيمة هذا النوع من العمل ومردوده النفسي والاجتماعي.. وجعله مادة اجبارية في مناهج التعليم يحاسبون عليها ويقيم عملهم بالتنسيق مع الجهات التطوعية.. مما يوفر الكفاءات التطوعية من جهة.. ويخفف من تداعيات فراغ الشباب وضياعهم من جهة اخرى مما يساعد على تفشي العنف والجرائم التي غالبا ما يكونون هم الضحايا.

لننتشل شبابنا بدعم هذه النشاطات التطوعية ومساعدتها على الاستمرار والتوسع والاستعانة بأكبر عدد منهم، لتكون النجاحات على يدهم وبدعم من الحكومة، التي لا بد ان تضع معايير تحدد فيها المستوى الذي عليها ان تدعمه من الاعمال التطوعية.

اذا اثبتت الجهات التطوعية جديتها ونجاحاتها وفق معايير واضحة… على الحكومة ان تدعمها ماديا، لانها، اي هذه الجهات، تقوم بالنيابة عنها في خدمة قضايا مجتمعية بالغة الاهمية… لا تستطيع الحكومة لاسباب كثيرة النجاح فيها.. بسبب بيروقراطية العمل والروتين الحكومي… وهذا الدعم المادي هو بمكانة كلمة الشكر التي تقدمها الحكومة لأصحاب القلوب الكبيرة الذين يعملون دون مقابل… فكل ما يطلبه هؤلاء هو ضمان استمرار عطائهم وعطاء كل المتطوعين معهم لمساعدة الآخرين.. لا أكثر ولا أقل.

إقبال الاحمد

iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.