سامي خليفة: مؤسسة تحتضر

في نوفمبر 2002 تبنّت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مشروع دراسة علمية لي بعنوان «تحليل واقع الإعلام والثقافة والاقتصادية في دولة الكويت»، حيث بذلتُ الكثير من جهدي ووقتي وطاقتي لأظهر الدراسة إلى النور، وبعد أن صَرَفَت عليها المؤسسة عشرات الآلاف من الدنانير. كنت متوقعاً بعد ذلك أنني فعلا قد خدمت بلدي في حل معضلة من المعضلات التي تعاني منها البلاد، من خلال دراسة علمية محكّمة من جهة علمية ذات اختصاص، لأكتشف بعد ثلاث سنوات من صدور الدراسة أن لا أحد قد استفاد من هذا المجهود الكبير، وكل ما تم هو طباعة عدّة نسخ منه للمكتبة والأرشيف، ليراودني السؤال الأهم وهو: ما الفائدة التي جنتها المؤسسة في المجتمع والدولة وهي تتعامل مع مخرجات البحث العلمي ومع صرفها أموال المؤسسة بتلك الصورة غير المسؤولة؟! وما الفائدة من إشغال باحث في دراسة لن تجد لها مكاناً في المساهمة بحل التحديات والمعضلات التي تواجه أجهزة الدولة؟!
فالمؤسسة يرأسها سمو أمير البلاد، صاحب الطموح والإرادة بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة، وبرؤية مؤسسات الدولة قادرة على مواكبة هذا التحوّل، كان من المفترض أن يبدع القائمون على تلك المؤسسة العلمية في قيادة النجاحات العلمية في البلاد من خلال المساهمة بتحقيق تلك الإرادة الأميرية المهمة، وعلى رأسها ربط الأبحاث العلمية التي تقوم بها جهات بحثية أو شخصيات أكاديمية باحتياجات الدولة، وهذا ما لم يتم إلى يومنا هذا!
فلا ربط بين مخرجات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بخطة التنمية للحكومة، ولا علاقة لخريطة طريق تلك الأبحاث العلمية بما يدور في عقول كبار المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل أحسب أن تلك المؤسسة مازالت غير مؤهلة من الناحية الإدارية والتقنية للعب دور الجسر الذي يوصل احتياجات قطاعات الدولة العاملة إلى مراكز البحث العلمي القادرة على تقديم الدراسات في مجالي التطوير والتنمية.
وما يؤسف له أن كل ما تقدمه المؤسسة من إقامة حفلات وتقديم جوائز ودعم مؤتمرات وإسناد ناشطين علميين معينين هو حراك دون المستوى المطلوب، ولا يرتقي إلى الأهداف المهمة التي تأسست من أجلها المؤسسة. إضافة إلى ذلك غياب الإدارة الناجحة التي تعتمد على مأسسة القرار، إذ أصبحت تعتمد اليوم- وللأسف الشديد- على شخصيات مستمرة في غيابها المتكرر خارج البلاد، وأسلوب الإدارة عن بعد! بل هناك من يُنتدب على أحد المشاريع العلمية المهمة في وقت هو في مهمة تفرغ علمي من الجامعة!
ناهيك أخي القارئ عن غياب الشفافية المتعلقة بآليات الصرف المالي، والتي أقل ما يمكن وصفها بأنها غامضة وتحوم حولها الكثير من الشبهات، وذلك لغياب أي إشراف من جهات رقابية مستقلة كديوان المحاسبة أو غيرها، خاصة إذا عرفنا أن موجودات المؤسسة تصل إلى 500 مليون دينار كويتي، إضافة إلى حصولها على دخل سنوي يصل إلى 1 % من أرباح عدد من الشركات المساهمة.
لذا نلفت نظر أعضاء مجلس الأمة الأفاضل إلى أهمية فتح ملف مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لمعرفة مدى أهليتها اليوم بالمساهمة في تحقيق الإرادة الأميرية من جانب، والتبعات السلبية الكبيرة نتيجة لغياب الرقابة على الصرف المالي وسلوك المسؤولين هناك.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.