خالد الجنفاوي: الرافضون للاختلاف ما فيهم طب

“من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون” (الأعراف 186).
أعتقد أن من يرفض حتمية اختلاف الناس في آرائهم وفي أذواقهم وفي توجهاتهم الفكرية, يرفض تكرس ديمقراطية فعلية في مجتمعه, ويريد فقط أن يستحوذ على عقول وقلوب الآخرين: فهذا النوع من بني البشر يرفض بشكل فج بديهية اختلاف آراء الناس, ويبدو انه يرى العالم الخارجي إما أبيض أو أسود: “إما أن تكون معي, وإلا فأنت ضدي” أو هكذا يقول لسان حال الرافضين للاختلاف البشري ! وكما يصعب على الانسان العاقل والمعتدل أو العصري التعامل مع هكذا عقليات جامدة, فيصعب أيضاً تصور أن لا يسبب الأفراد المتعنتون التطرف وكره الآخر في مجتمعهم.
أعتقد أيضاً أن من يتشدقون بسعيهم الى تكريس الديمقراطية (بينما تخالف أفعالهم أقوالهم) يبالغون في تصوير أنفسهم وكأنهم أبطال حرية الرأي والتعبير. هؤلاء مفوهون فقط في رفض الاختلاف! فما يسيطر على هكذا أذهان متحيرة ليس تكريس العدالة الاجتماعية أو حرية الرأي والتعبير أو المساواة, انما يبدو انه يجتاح أفئدتهم دائماً هي تلك الرغبة المحتدمة في السطوة الوحشية على الآخرين والتنمر عليهم. إضافة إلى ذلك, من تخالف أقوالهم أفعالهم تراهم ينادون بتكريس ديمقراطية تتناسب فقط مع توجهاتهم القبلية أو الطائفية أو الفئوية, فينكرون على الآخرين امتلاك آراء مخالفة لآرائهم, وهم بذلك يرسخون التطرف ومقت الآخر في المجتمع.
ما هو صعب للغاية في التعامل مع المتطرفين الفكريين من يمقتون الاختلاف الإنساني هو كيف يتعايش معهم الفرد العقلاني والمتسامح? أعتقد والله أعلم أن أصعب ما سيمر به الفرد المتسامح في حياته اليومية هو اضطراره للتعامل مع بعض من يتشدقون بالديمقراطية ويكرهون الاختلاف ! فالخيار الوحيد بالنسبة الى المتسامح هو تطبيق الأتاراكسيا !
وتشير “الاتاراكسيا” الى مرحلة فكرية معينة يصل اليها بعض المتنورين, أو أي فرد حر يسعى الى امتلاك بعض من الحكمة, وهي تتجلى للبيان عندما يبدا الفرد يشعر بالسكينة الروحية, وراحة البال, والطمانينة النفسية, وتتمثل كذلك بشعوره “بالحرية المطلقة” من كل انواع القلق او الخوف او الاهتمامات الانسانية “المادية” الاخرى! فيبدأ من يصل الى مرحلة الاتاراكسيا بالامتناع عن اطلاق الاحكام حول الاخرين, بل يرفض اتخاذ اي موقف محدد اذا علم بوجود دلائل واضحة تناقض ذلك (روزنتال 247- بتصرف). بمعنى آخر, يجب ألا يبالي المتسامح إزاء الكارهين للاختلاف, فلا يوجد لهؤلاء علاج ولا فيهم طب.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.