بعد مضي ما يقارب خمسة عقود من الزمن، على إقرار الدستور الحالي، لا يزال هناك من لم يستوعب ماذا تعني نصوصه، وكيف نسجت خيوط تلك النصوص، ولا يزال هناك أيضا من يعتقد بأن الحرية بدأت مع نشاطه السياسي، وليس قبل ذلك، وأن الأحداث تتمحور حول شخصه هو بالتحديد، فإذا انزعج من شيء يفترض أن ينزعج البلد لانزعاجه، وإذا غضب، عليها أن تفعل الشيء ذاته، وإلا، فإنها «ديرة بطيخ»!
هناك حقائق يجب الانتباه لها قبل الاسترسال ببقية المقال، أبرزها أن الكويت بلد صغير لا تتجاوز مساحته 18 ألف كيلو متر مربع، ويحده من ثلاث جهات عمالقة ثلاثة: المملكة العربية السعودية وجمهورية العراق والجمهورية الإيرانية الإسلامية، ووجوده بهذا الوضع يكاد يكتم أنفاسه، ولديه ثالثا عدد من آبار النفط يبيع ما ينتجه منه ويوزع الإيرادات على البابين الأول والرابع في الميزانية العامة وما يلحقهما.. وكل من تلك الثلاث له تبعات يحملها على عاتقه، من دون أن ينتبه أحد.
الدستور الكويتي «هبة» أو «منحة» من الشيخ عبدالله السالم، طيب الله ثراه، وما أرغمه على هذه المنحة أو الهبة جملة من الحقائق التاريخية والجغرافية، وقد صاغ الدستور رحمه الله من «الجلدة للجلدة»، ومن يراجع محاضر لجنة الدستور سيفهم جيدا هذه الحقيقة، وقد ذلل الشيخ عبدالله السالم كل الصعاب التي واجهت ولادته، من جانب بعض أفراد الأسرة الحاكمة، لأنه يمتلك تصورا مستقبليا قل من يفهمه في ذلك الوقت، وربما الآن.
شاب لا يتجاوز عمره 25 عاما، وعمر تجربته في الحياة لا تتجاوز الصفر المربع، يعتقد بأن شتم رموز البلد والمس بالذات الأميرية هي الديمقراطية، وأنه بذلك الفعل إنما يمارس حقا كفله له الدستور واكتسابه لهذا الاعتقاد يأتي من ممارسات يقوم بها من هو أكبر سنا ومركزا منه، وآخر يرى أن الديمقراطية هي سب من يختلف معه في الرأي، ووصفه بأقذع الأوصاف، لأنه رأى أيضا من هم أكبر منه سنا ومركزا يقومون بالشيء نفسه، فلماذا لا يفعل هو حتى يصبح بطلا هو الآخر يتحدث عنه الناس؟
من رسخ مثل تلك المفاهيم والأفكار والشعارات البائسة في عقول مثل أولئك الشباب، وأفهمهم خطأ أن ما يقومون به هو الديمقراطية بعينها، وأن الشتم والسب والتشكيك بالآخرين واتهامهم بالسرقة واللصوصية، من دون دليل ومن دون حتى أن تصدر المحاكم حكمها جزء لا يتجزأ من آليات الديمقراطية الصحيحة؟ ومن قال لأولئك إن المسيرات داخل المناطق السكنية هي فعل من أفعال الديمقراطية والدستور؟ أليس هم الأكبر سنا ومركزا من دفع الأمور، حتى لم يعد أولئك الشباب قادرين على التمييز بين ما يضرهم وينفعهم؟ أليسوا هم الأكبر سنا ومركزا؟!
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق