
هناك خلط سياسي عجيب في الكويت بين هذين الموضوعين، وكأن عندما يلفظ أحدنا كلمة حقوق الإنسان يطل علينا من يقول «البدون»، وكأن قضية حقوق الإنسان تدور حول هذا المحور فقط، ولا شي غيره، والبشر من السكان أياً كانوا سواء مواطنين أو وافدين، عرباً أو أجانب، ليس لهم حق ولا رأي في هذا الموضوع، لأنه حكر على «البدون»، ولا مظالم غيرها، كما ليس لأحد قضية تعادل ما سواهم!
لقد تم تصوير «البدون» إعلامياً، وعلى مدى سنوات سابقة، باعتبارهم فئة مهمشة ليست ذوات قدر ولا أهمية ولا جزاء لمواساتها إلا منحها الجنسية الكويتية لتطييب خاطرها! هذا بحق المخطط الذي قدّر لنا، نحن الشعب، أن نعيشه بوضوح خلال سنوات، وعلى يد ساسة وكتّاب وأساتذة وإعلاميين لصفع الوجوه بأننا شعب لا نراعي هؤلاء المساكين ونضطهد «البدون» وووو. تلك هي الصورة الإعلامية الظالمة التي أظهروها عنا للعالم حكومة وشعباً، وعلينا نحن أهل الكويت أن نتحمّلها! ومن المؤسف أنه كان هناك من استخدم منصبه في الترويج لهذا الفكر بعملية غسل دماغ اجتماعية ليس لها مثيل في تاريخنا حتى لا يجرؤ أحد ليقول لماذا؟ وكفى ظلماًَ!
قضية حقوق الإنسان ليست ملكاً ولا حكراً على موضوع «البدون» ومن يعتقد بأن قضية حقوق الإنسان تدور فقط في فلك موضوع «البدون» فمخطئ، وعليه أن يعمل على توسيع أفقه ليرى الأمور على حقيقتها وليس بمنظاره الخاص، وليكلف نفسه قراءة الاتفاقية العالمية لحقوق الإنسان والدستور الكويتي ليعرف أننا، كشعب، قد مورس علينا تضليل لسنوات فيما يخص موضوع، البدون، ولا أقول قضية، خصوصاً من قبل نواب أمة!
أهل الكويت وعوائلها بالتأسيس خصوصاً لم يكونوا سوى أصحاب آياد بيضاء في عون الفقراء والمحتاجين في الداخل والخارج ومساعدتهم، كما لم يكن لهم ذنب في أن الحكومة قد كانت لها اليد الطولى في إهمال معالجة أوضاع هؤلاء منذ البداية ومع تزايد عددهم وتضاعفه، خصوصاً خلال السنوات العشرين الأخيرة، كما أهملت المعالجة تحديداً بعد التحرير من الغزو العراقي. وقد كانت فرصة ذهبية للحكومة، خصوصاً بعد فرار كثير منهم إلى دولهم، وكما تخلصت الكويت من ارتفاع عدد الوافدين الفلسطينيين، كان لها أن تحل هذا الموضوع في حينه، لتنظر في أوضاع «البدون»، حيث لم يتجاوز عددهم بعد التحرير مباشرة الــ 120 ألفاً. إذاً، نحن -الشعب- ليس لنا ذنب في عدم المعالجة أو إهمال أو ضرر أي من «البدون». وإنني أتفهم الهجمة التي واجهها السيد صالح الفضالة رئيس الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع «البدون» على مدى سنوات، كلما فتح فمه ليتحدث عن موضوع «البدون» وأحقية التجنس، وكأنما قال ما لا يرضى البعض أن يسمعه، فلم يقل قط للرجل لربما قال الحقيقة، لكن لا أحد يريد أن يسمع!
إذا كان «البدون» هم المقيمون بصورة غير شرعية من المهاجرين من أوطانهم بسبب الفقر مثلاً، فهؤلاء ليسوا نموذجاً وسابقة في العالم، فغالب دول العالم لديها تلك الفئات، وإن اختلفت المعالجة، فالولايات المتحدة الأميركية تعالج أوضاع هؤلاء بالحزم وإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية عند القبض عليهم، في حين يتمكّن البعض من البقاء متخفياً، وبعضهم ينال الجنسية ليعيش بكرامته ودون أن يقول إن أميركا تضطهده. نحن في الكويت أمام حالتين لا ثالث لهما، فإما من أخفى جنسيته الأصلية طمعاً في الحصول على الجنسية الكويتية، وإما ممن هم لا يحملون الجنسية الكويتية، ولا أعرف كيف لهؤلاء ألا يعرفوا من أين جاء والداهم وامتداد أصولهم وربما عاشوا في الكويت على هذا الأساس لسنوات طوال وتزوّجوا من مواطنات، وكلتا الحالتين تحتاج إلى معالجة طبقاً لظروف كل حالة من دون تعميم، وكما أن التجنيس يجب أن يناله الفرد حسب أحقيته لا العائلة بأكملها مما يشكّل عبئاً على الدولة في تقديم الخدمات كما أنه لا بلد في العالم يمنح الجنسية للترضية وتطييب الخاطر! هذه ممارسة خاطئة وخطرة وظالمة!
لا أحد يعترض على أن تكون للبلد سياسة تجنيس واضحة ومعلومة للجميع، على أن تطال المستحق من دون واسطة ومن دون تدخلات نواب أو وزراء وتضع من خدمها بإخلاص، لسنوات طوال، في الداخلية والدفاع على رأس أولوياتها في عملية التجنيس. الجنسية ليست قرباناً للترضية، وأن الولاء وازدواجيته أمران خطيران، إن لم ندرك المعالجة علينا أن ننسى أحلامنا عن الكويت التي نريد، لتصبح الأمور شوربة!
منى علي الفزيع
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق