هديل الحويل: أعلى صوت في الوجود

للأصوات في شدتها وحدتها وقوة دفعها طاقة لا تعلوها طاقة, فنحن حين نختار أن نسلم أنفسنا لصوت كصوت أم كلثوم فإننا نختار أن نركب معه فيحملنا بقوة دفع رباعية وفي سرعة عاطفية متصاعدة تثير النفس بما فيها من أحاسيس شوق أو غضب أو حزن تصل بالقلب إلى نشوته, وحين نسلم أنفسنا لصوت كصوت فيروز فإننا نختار أن نتهادى على وقع خطى حصان يجرنا في عربته تحت ضوء قمر أو في شمس, ذاك يزيد من نوره وتلك تحبس عنا حرارتها فنغدو في حالة من الشجن المتصالح مع كل شيء.
وهناك على الطرف الآخر من الأصوات ما من شأنه أن يقتل الحياة فينا كصوت الحروب في طلقات الرصاص ودفع المدافع وصوت الخوف في نظرة المحتاج وصوت الكركرة في بطن الجائع وصوت الأنين في بكاء الموجوع وصوت الاستنجاد في نداء المجروح وصوت إبليس فينا حين نعمد إلى تدمير أي شكل من أشكال الحياة.
ومن أكثر الأصوات علوا حتى طغى وغطى على ألف مدفع, ومن أكثر الأصوات قدرة على التدمير فدمر حق النبات وبعده الحيوان والآن الإنسان في العيش, ومن أكثر الأصوات فحشا وفجورا فتباهى بعهر العقول والقلوب وحلله هو صوت “الصمت”.
الصمت أعلى الأصوات وأقبحها حين نواجه به الظلم والاعتداء والقتل والتشريد والتجويع والترهيب والعنصرية, الصمت أداة أجاد تطويعها تجار السياسة فقهروا بها شعوبا وهزموا بها دولا, ونحن حين نذعن للاستماع الى الصمت نشارك بكل ما جنى الصمت عليه, فسكوتنا عن القتل قتل, وسكوتنا عن التخويف تخويف, وسكوتنا عن العنصرية هو العنصرية بذاتها, وسكوتنا عن الجريمة جريمة.
البعض يبرر بأن به ما عاد للكلام أثر ولا للكتابة صدى فالكل يقول والجميع يكتب, ونحن أشطر من يبرر وأذكى من يختلق الأعذار فلا نظمنا كلامنا ولا أحسنا إدارة حملاتنا ولا مولنا إعلامنا وإنما اكتفينا بعض الشفاه وقفلها على الصمت أو الدعاء على من ظلم.

أنت بإحساسك العالي بالحياة وحق الآخر في العيش وبقدراتك ومهاراتك في أي مجال نظم نفسك وتول قيادة حملة تديرها أنت وترفض فيها أن تصمت عن الظلم في أي مكان. وجه طاقاتك إلى الخير واختر أن تكون لك كلمة تكسر الصمت وتحطم تمثاله.

خط من الملابس ما يتطرق إلى العنصرية بأي شكل تختار, صمم من الإكسسوارات ما يمثل ويعكس ثقافة عرق يتم تطهيره, ارسم من اللوحات ما يعري صمتنا عن القتل والتجويع, صور, اصنع, اكتب, تكلم, انشر, أدر عجلة الإنتاج في بلدك وبع واشتر واربح ومن ثم تبرع لأناس وقفت عجلة الحياة عندهم فحرمتهم من أسس العيش كالماء والدفء. وتذكر دائما أن الحياة ليست أنت وليست لك, ولكن الحياة نحن ولنا, “بنا” بأجناسنا وأعراقنا وأنواعنا وأصولنا تقوم وتقوى و”علينا” بأجناسنا وأعراقنا وأنواعنا وأصولنا تضعف وتنهد, فلا تصمت.

h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.