تقدم المحامي صلاح الهاشم بطلب مستعجل بوقف جلسات مجلس الأمة لحين الفصل في الدعوى المرفوعة من قبله بزوال مرسوم الصوت الواحد، التي تتلخص فحواها في انه لما كان مجلس الأمة قد تم انتخابه تحت مظلة المرسوم المشار إليه بالصحيفة، وأن ذلك المرسوم لم تُتخذ بشأنه الإجراءات والأحكام التي نص عليها الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة، فيكون من ثم قد زالت عنه قوة القانون، وأصبح المجلس حاليا لا يتمتع بالشرعية الدستورية، فمن ثم يتعين بصفة مستعجلة وقف جلسات مجلس الأمة.
وفي ما يلي نص صحيفة هذا الطلب:
توطئة
قبل الدخول في حيثيات الدعوى ووقائعها، لابد من بيان ما يلزم بيانه، وهو تذكره وترداد لمبادئ راسخة كانت تحوم وتجول في عقول الآباء المؤسسين للدستور، وكانت أطياف العدالة لديهم تستظل آمنة بين نصوص ومفردات وضعت وجمعت بين دفتي دستور 1962، الذي كان ولايزال وثيقة عهد قديمة في تاريخها، جديدة ومتجددة في هدفها ومبتغاها.
ولم تكن النصوص الدستورية التي وضعت آنذاك سوى وسائل نبيلة لحماية حقوق وإنشاء مراكز ودفاع عن قيم ومبادئ، ومع ذلك فإن نبل الغاية لا يمكن أبدا أن يغني عن شرعية الوسيلة وسلامتها من الناحية القانونية، وهو ما يطلق عليه مبدأ الشرعية التي لا تستقيم تلك المواد الدستورية إلا إذا سارت في هديها، واستقامت في ركابها والتزمت حدودها وقواعدها.
ومن المنطق، فإنه يكون لزاما على المشرع وهو هنا مجلس الأمة أن يراعي قواعد وتدرج ممارسته لأعماله البرلمانية من خلال مسطرة ثابتة قواعدها واضحة في الدستور واللائحة، ويتعين أيضا أن يكون الالتزام بأحكام النصوص الجامدة، فلا يفسر نص من خلال عرف يخالفه، أو تساهل يذهب بقواعده، أو حتى بتجاوز لا يقبل له أو منه وعلى هدى هذه المبادئ نعرض الموضوع.
الموضوع
أولا: بتاريخ 5 ذي الحجة 1433هـ الموافق 12 أكتوبر 2012م، أصدر سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح المرسوم رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة مع مراسيم أخرى.
وينص هذا المرسوم على ما يلي:
مرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة.
مادة أولى: يستبدل بنص المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 المشار إليه النص التالي «تنخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب حق الأداء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لأكثر من هذا العدد».
ثانيا: تنص المادة 71 من الدستور على ما يلي:
«إذا حدث في ما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على أن لا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية، ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر».
ثالثا: إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تتمثل في مجلس الأمة طبقا للمادة 79 من الدستور، والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة في الدستور، إلا أنه نظرا لما قد يطرأ في غيبة مجلس الأمة من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحمل التأخير، فقد أجاز الدستور في المادة 71 منه لسمو الأمير في تلك الحالات أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون في حالة قيام الضرورة الموجبة للإسراع في اتخاذ تدابير لا تتحمل التأخير والتي لها قوة القانون بشرط عدم مخالفتها للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية، وتكون نافذة بذاتها لفترة مؤقتة مقدرة بمراعاة أن اتساع سلطة الإدارة في الظروف الاستثنائية ليس أمرا طليقا من كل قيد أو شرط إذ إن الظرف الاستثنائي وهو قيام حالة الضرورة الملجئة التي تقديرها لا يلغي مبدأ الشرعية الدستورية والرقابة الشعبية.
وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والقيود بما يكفل عدم تحولها إلى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المواطنة بها، وبين الاعتبارات العملية المحلة التي تتطلب تخويل رئيس الدولة رخصة التشريع، على سبيل الاستثناء، لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعي المختص أصلا بذلك، ومن أجل ذلك ورد نص المادة رقم 71 من دستور دولة الكويت بتقرير ذلك، وذلك من أجل أن لا تطغى سلطة على أخرى.
وإذ كان ذلك وكان الدستور بنص المادة 71 سالفة الذكر جعل لرئيس الدولة اختصاصا في إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الأمة، إلا انه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعية الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته، ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من مراسيم استنادا إليه، فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الأمة غائبا، وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الدولة سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الأمة باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعليه تقريرها وليس ذلك فحسب فلقد أحاط الدستور تلك المراسيم بضوابط مقررة بنص المادة 71 ذاتها، حيث أوجب ضرورة عرض تلك المراسيم الصادرة استنادا إليها على مجلس الأمة في أول اجتماع له للنظر في إقرارها أو اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب عليها من آثار، ذلك أن فترة نفاذ هذه المراسيم تجد نهاية حدها الزمني في الخمسة عشر يوما التالية الفصل التشريعي، والأثر الحتمي الذي يترتب على الإخلال بعرضها على مجلس الأمة في هذه المواعيد هو زوال ما كان لها من قوة القانون بأثر رجعي إعدام وجودها تماما إعداما مطلقا في مجال الزمان وفي تطبيق الموضوعي، وهو جزء خطير وجدي يتناسب مع أهمية وضرورة وجوب العرض القانوني على أعضاء المجلس عرضا صحيحا سليما نافيا للجهالة.
قوة الجزاء
وقد رتب الدستور على عدم عرض هذه المراسيم في المواعيد التي حددها جزاء وفق ما وصفه المرحوم د.عثمان عبدالملك الصالح في مؤلفه النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت – الطبعة الأولى ص 415، منه: «بأنه جزاء خطير وهو زوال ما كان لهذه المراسيم من قوة القانون بأثر رجعي بغير حجة إلى إصدار قرار بذلك من مجلس الأمة».
ذلك أن المادة 71 من الدستور تفرق من حيث الآثار القانونية في ما يتعلق بعملية عرض المراسيم بقوانين التي تصدرت في غيبة الحياة النيابية على مجلس الأمة أو تخلف هذا العرض، وبين ما يترتب على كل من هاتين الواقعتين، وإحداهما إيجابية والثانية سلبية، من نتائج قانونية، فتقرر حكما لازما يفرض جزاء وجوبيا لا حيلة ولا خيار للمجلس فيه، بل يتحقق تلقائيا دون تدخل من جانب المجلس أو إمكان درئه بالترخيص في أعماله أو إهماله، وهذا الحكم هو زوال ما كان للمراسيم بقوانين التي تستوجب الضرورة الإسراع في اصدرها في ما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، من قوة القانون بأثر رجعي بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، في حالة عدم عرضها على المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، أو أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، أما في حالة عرضها على المجلس في الميعاد المقرر، فإنها تتحصن من السقوط وان بقيت قلقة في مركزها القانوني الذي لا يستقر إلا بصدور قرار المجلس في شأنها بإقرارها أو برفض الموافقة عليها، فإذا أقرها انتقلت من طور التشريع المعلق على شرط هذا القرار إلى وضع التشريع الكامل المستقر في البيان القانوني للدولة، والتعليق باكتسابها صفة الثبات والحجية، دون أن تتغير طبيعتها الموضوعية، وان تغيرت طبيعتها القانونية بتحويلها من وضع التربص إلى قوانين كاملة واستمدت شريعتها من تصدي المجلس لها وإقراره إياها بعد أن كانت من حالة الضرورة، وإذا لم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتمادا نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر، ومن هنا أتاحت اللائحة الداخلية لرئيس المجلس إحالتها إلى اللجنة المختصة لبيان آثار ذلك، وفي هذا التأكيد للمفارقة الدستورية بين مرحلتين في مسيرة الحياة القانونية للمراسيم بقوانين، أولاهما التي تقع في الفترة الزمنية ما بين تاريخ صدورها ولها قوة القانون التي تثبت لها استنادا إلى مبررات قيام حالة الضرورة، أما المرحلة الثانية، فهي التي تبدأ بمجرد انقضاء الفترة السابقة على العرض عند حلول موعد وجبه، سواء تم أو اختلف، وفي هذه المرحلة يكون البت في مصير المراسيم بقوانين رهينا بقرار المجلس في شأنها، وفي حالة عرضها عليه، أو بزوالها التلقائي الحتمي بأثر رجعي بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، في حالة عدم عرضها، وفي هذا تأكيد لأن الأصل في بقاء المراسيم بقوانين أو سقوطها هو قرار المجلس، والاستثناء يؤيد القاعدة العامة المشتقة من هذا الأصل.
ماهية العرض:
1 – ان عرض المراسيم التي صدرت استنادا إلى نص المادة 71 من الدستور يستلزم عرضها على المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، وذلك لتمكين المجلس من مباشرة هذا الحق الذي يقابل حق تصديق الأمير على القوانين، لذلك يتعين أن يكون العرض شاملا ببيان طبيعة تلك المراسيم وبحث حالة الضرورة التي اقتضت صدورها واستمرار وجودها من عدمه، وبيان مواد كل منها وأحكامها، وما إذا كانت موافقة لأحكام الدستور من عدمه، أو مخالفة للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية من عدمه، أي يتعين أن يكون العرض وافيا نافيا لجهالة الحاضرين، أي عرضا حقيقيا بالمعنى الذي قصده المشروع الدستوري في نص المادة 71 سالفة الذكر، حتى يمكن لرئيس المجلس أن يطبق نص المادة 112 من اللائحة، بإحالتها إلى اللجان المتخصصة، لإبداء الرأي فيها حال اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.
ولا يعني العرض الحقيقي بمفهومه الدستوري والقانوني الاكتفاء بالإشارة إلى تلك المراسيم في جدول أعمال الجلسة مجملة من دون بيان، «ذلك أن مكتب المجلس هو الذي يتولى إعداد جدول أعماله وفق ما تنص عليه اللائحة الداخلية للمجلس من ترتيب في مناقشة الموضوعات».
ولا يتحقق ذلك العرض على النحو المطلوب، دستورا وقانونا، حتى لو كانت المراسيم مرفقة بجدول الأعمال، إذ لا يكفي ذلك لكي تصل إلى علم الأعضاء بصورة يقينية، حتى يتمكنوا من مناقشتها، وبحث حالة الضرورة التي صدرت في ضوئها واستمرارها من عدمه، واتخاذ القرار فيه، ومن ثم فإن التسلسل الذي حدده المشروع الدستوري هو العرض بالمعنى السالف ذكره، حتى يتخذ المجلس قراره فيها، ثم الإحالة من قبل الرئيس ان كان لها مقتضى، وفقا لنص المادة 112 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وذلك بمعنى انه إذا لم تعرض تلك المراسيم زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر، وهنا يتعين احالتها إلى اللجان المختصة، لإبداء الرأي، بما يعني أن الإحالة إلى اللجان المتخصصة رهينا بعرض تلك المراسيم أولا، ثم اتخاذ قرار فيها باعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من اثارها بوجه آخر، ومن ثم يتعين الإحالة وفقا لنص المادة 112 من اللائحة، بما يعني انه لا تجوز الاحالة قبل العرض، ولا تجوز الإحالة التلقائية من دون العرض الحقيقي على النحو المتقدم ذكره، أو أن تتم الإحالة من قبل رئيس السن وقبل ان يقسم اليمين الدستورية.
2 – كما انه لا يجوز ان تكون الاحالة الا من الرئيس الفعلي للمجلس، وليس رئيس السن، وذلك على اعتبار ان المشرع العادي في نصوص اللائحة كان يخاطب رئيس المجلس المنتخب الذي يباشر عمله البرلماني، وفقا للتشريع والدستور، وليس رئيس السن الذي ليست له اي صلاحيات كعضو نيابي قبل حلف اليمين سوى إدارة الجلسة الأولى، لحين انتخاب الرئيس، حيث حدد له الدستور ولائحة مجلس الأمة مهام محددة لحين اختيار رئيس بالانتخاب للمجلس، ومن ثم، فان المعني في الخطاب هنا هو رئيس المجلس، الذي يناط به جميع الاعمال البرلمانية الواردة بالدستور واللائحة الداخلية للمجلس والأعمال البرلمانية هي جميع الأعمال القانونية والمادية التي ليست لها صفة العمومية والتجريد، والتي تصدر من المجلس التشريعي، أو من إحدى لجانه أو أحد أعضائه، وهم بصدد القيام بوظائفهم المسندة اليهم بموجب الدستور، ومن ثم، فلا يسوغ لرئيس السن قبل ان يحلف اليمين الدستورية ان يباشر أيا منها، وهو ما ينبئ بان توقيع رئيس السن على إحالة المراسيم إلى اللجان المتخصصة لابداء الرأي فيها عمل يخرج عن حدود مهامه كرئيس سن للجلسة الأولى لحين اختيار رئيس بالانتخاب للمجلس، ذلك ان المشروع إذا كان يقصد رئيس السن، لكان ما احتاج إلى ان ينص على ان يكون العرض سابقا على الاحالة، باعتبار ان العرض هو عمل برلماني لا يجوز مباشرته إلا بعد اداء اليمين القانونية والدستورية، ومن ثم، فان المقصود بالرئيس في مخاطبة نصوص اللائحة هو الرئيس الفعلي، وليس رئيس السن، ومفاد ذلك ان رئيس السن ليست له مباشرة الأعمال البرلمانية التي يختص بها الرئيس الفعلي المنتخب للمجلس لعدة أسباب، أولها ان رئيس السن حين يترأس الجلسة الأولى لم يكن قد أدى اليمين الدستورية التي نص عليها المشرع الدستوري بنص المادة 91 من الدستور، التي تنص على ان «قبل ان يتولى عضو مجلس الأمة أعماله في المجلس أو لجانه يؤدي أمام المجلس في جلسة علنية اليمين الآتية:
(أقسم بالله العظيم ان أكون مخلصا للوطن وللأمير، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأؤدي عملي بالأمانة والصدق).
فمن ثم، فان رئيس السن قبل ان يؤدي اليمين الدستورية لا يستطيع مباشرة ما نص عليه في المواد 71 من الدستور و111، 112 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بعرض المراسيم وإحالتها إلى اللجان المتخصصة، أو حتى التوقيع على الإحالة إلى اللجان المتخصصة.
كما أن رئيس السن حددت مهامه بإدارة الجلسة الأولى فقط لحين انتخاب رئيس للمجلس، وثالثها أنه ليس هو المخاطب من المشرع الدستوري وأحكام اللائحة الداخلية للمجلس بمباشرة الأعمال البرلمانية المحددة في كل منهما على سبيل التحديد.
والسبب في ضرورة ان يكون العرض حقيقيا على النحو المتقدم ذكره ان المشرع الدستوري ينص في المادة 71 ومن بعده المشرع العادي بنص المادة 111 قد صاغ المادة 71 من الدستور و111 من اللائحة صياغة دقيقة لا تحتمل التأويل وربط في المادة 112 من اللائحة تطبيقها في حالة واحد فقط مرهونة بعرض المراسيم عرضا حقيقيا يصل إلى العلم اليقيني لكل اعضاء المجلس، ولا تتم الاحالة تطبيقا لنص المادة 112 إلا في حالة واحدة فقط حددت على سبيل الحصر في عجز المادتين 71 و112، وهي حالة ما إذا عرضت ولم يقرها المجلس، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من اثارها بوجه آخر ، وفي تلك الحالة الأخيرة يتحتم إعمال نص المادة 112 بالاحالة إلى اللجنة المختصة، لابداء الرأي فيها، أي ان الإحالة للجان المختصة يكون في حالة العرض وعدم الاقرار والرغبة في اعتماد آثار المرسوم في الفترة السابقة او تسوية ما ترتب من اثارها بوجه آخر.
لذا، فان الاحالة لا بد ان تكون بعد عرض حقيقي لتلك المراسيم، بمناقشتها مناقشة مستفيضة تنتفي بها الجهالة لأي عضو من الاعضاء، حتى يتمكنوا من ابداء الرأي فيها، ولا سيما بشأن توافر شروط إصدارها، واللجوء إلى أحد الحلين المشار اليهما في المادتين 71 و111، وهما إما اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من اثار بوجه آخر، وهنا تلزم الاحالة إلى اللجان المتخصصة، حتى يصار إلى اعمال اي من الحلين المشار اليهما.
وذلك بمعنى ان المجلس إذا كان ينتوي الموافقة على تلك المراسيم بعد عرضها العرض الحقيقي ما كان يحتاج إلى الاحالة إلى اللجان المتخصصة التي قصرها المشرع على حالة عدم اقرارها واعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب عليها من اثار بوجه آخر.
ومفاد ما تقدم ان مرحلة الاحالة، هي المرحلة التالية لمرحلة العرض التي نص عليها بنص المادة 71 من الدستور، ونص المادة 111 من اللائحة، بمعنى انه لا يجوز ان يوقع رئيس السن على الإحالة إلى اللجان المتخصصة، لعدم قيامه بحلف اليمين الدستورية، ولا يجوز له تجاوز مرحلة العرض بالمفهوم السالف ذكره، بدءا بالاحالة، إذ يجب اتباع التسلسل الذي تقرره المادة 112 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والتي تأتي بعد عرض حقيقي ونافي للجهالة لتلك المراسيم، لاعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من اثار، تمهيدا لاتخاذ قرار فيها، ومن ثم، فان رئيس السن ليست له الصفة القانونية للقيام بتلك الاجراءات، كونه غير منوط به القيام بالاعمال البرلمانية قبل حلف اليمين الدستورية، وإذا قام بها، فتكون قد تمت من غير ذي صفة، وبالمخالفة لاحكام الدستور واللائحة الداخلية للمجلس.
وبالرجوع إلى مجريات الامور دستوريا، يتم انتخاب الرئيس باشراف رئيس السن، وبعد اعلان النتائج يسلم رئيس السن مقعده إلى الرئيس المنتخب الذي يحق له الآن، والآن فقط ممارسة الاعمال البرلمانية، ومنها عرض المراسيم أو إحالتها إلى اللجان.
وبإسقاط هذه القواعد البرلمانية على ما حدث في الجلسة الأولى لمجلس الأمة التي تمت في يوم الأحد 26/12/2012 نعرض لما حدث فيها:
وقائع الجلسة الأولى:
– عطفا على ما أوردته المادة 71 من الدستور، من وجوب عرض المرسوم أو المراسيم من قبل الرئيس على أعضاء في أول جلسة عرضا وافيا، وبالتطبيق الحرفي لهذه المادة، فانه يتعين عرض المراسيم على أعضاء المجلس بعد اكتسابهم العضوية النيابية بعد حلف اليمين، ويكون عرض المرسوم أو المراسيم بصورة قاطعة، حازمة لتمكين الأعضاء من المعرفة النافية للجهالة بالمرسوم أو المراسيم المطلوب إقرارها، وهي معرفة تستلزم ما يلي:
أ- قراءة كل مرسوم ورقمه وتاريخه وموضوعه على حدة وبوضوح، مع اثبات ذلك في المضبطة، ولا يغني مجرد إدراجه في جدول الأعمال عن ذلك. أو عرض مجموعة مراسيم مجهلة تعنون بانها صدرت من تاريخ كذا إلى كذا.
ب- التمكين الدستوري من معرفة المرسوم او المراسيم المطلوب اقرارها يستتبع بالضرورة، وبنص المادة 71، الاقرار او عدمه لهذا المرسوم او المراسيم، ولا يكون ذلك إلا بكون المرسوم قد عرض بصورة وافية، وشاملة، وقاطعة لأي لبس، ومعرفة بشكل لا يمكن تجهيله، ونافيا للجهالة القانونية وتمكين المجلس من فهمه وإدراكه. وقد أوردت لجنة فحص الطعون الدستورية في حكمها رقم 2/1982 الصادر في 28/1982 وصفا دستوريا راقيا بشأن ذلك، حين قالت:
(.. ان تعرض هذه التشريعات على مجلس الأمة ليمارس سلطته في الرقابة عليها باستظهار مدى توافر الشرائط المطلوب منها).
ولكن الذي حدث في الجلسة الأولى هو ما يلي:
1 – حين تسلم رئيس مجلس الأمة المنتخب السيد علي الراشد مقعده الرئاسي استكمل وفقا لجدول الاعمال واللائحة المنظمة كل بنود جدول الاعمال، ومنها انتخاب نائب الرئيس وأمين السر والمراقب وأعضاء اللجان، حتى أتى إلى البند ثامنا من جدول الاعمال والمذكور فيه حرفيا:
(كشف بمراسيم بقانون التي صدرت منذ 21 ذو القعدة 1433 هـ الموافق 7 أكتوبر سنة 2012 حتى 2 من صفر 1434 هـ الموافق 15 ديسمبر 2012).
وهنا حدث الحوار التالي، وفق ما هو ثابت في مضبطة المجلس:
الأمين العام يتلو من جدول الأعمال:
البند الثامن: (كشف بمراسيم بقانون التي صدرت منذ 21 ذو القعدة 1433 هـ الموافق 7 أكتوبر سنة 2013 حتى 2 من صفر 1434 هـ الموافق 15 ديسمبر 2012).
الرئيس: ما راح تتلا المراسيم…؟
الأمين العام: ….
الرئيس: يا إخوان أصدرت الحكومة خلال الفترة من 7/10/2012 إلى 15/12/2012 عددا من المراسيم بقوانين وزعت على حضراتكم مع جدول الاعمال – وطبقا للمادة 112 من اللائحة الداخلية للمجلس فقد «أحيلت» إلى اللجان المتخصصة لإبداء الرأي فيها بصفة الاستعجال – نرجو من اللجان المتخصصة الانتهاء بأسرع وقت ممكن من المراسيم، حتى نصوت عليها بالجلسة القادمة بإذن الله- يرجى إعطاؤها صفة الاستعجال.
(ويلاحظ هنا ان الرئيس استخدم كلمة أحيلت، وهي فعل ماض يفيد إحالة المراسيم إلى لجنة الداخلية والدفاع، ويؤيد ذلك تقرير لجنة الداخلية والدفاع في 26/12/2012 والمنشور في جرية الوطن بتاريخ 6/1/2013 ومذكور فيه:
الفصل التشريعي الرابع عشر – دور الانعقاد العادي الاول لجنة الشؤون الداخلية والدفاع – التقرير الأول، السيد رئيس مجلس الأمة – يسرني ان اقدم لكم التقرير الاول للجنة الشؤون الداخلية والدفاع عن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42/2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة المجال بصفة الاستعجال، برجاء عرضه على مجلس الأمة الموقر لاتخاذ ما يراه مناسبا بصدده، رئيس اللجنة (عسكر عويد العنزي)، ولقد تأشر على التقرير من رئيس المجلس بإدراجه بجدول اعمال الجلسة القادمة مع إعطائه صفة الاستعجال وموقع اسفل التأشيرة وبتاريخ 27/12/2012. (تراجع حافظة المستندات).
أما التقرير ذاته، فمذكور فيه أنه:
«المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة (المحال بصفة الاستعجال)، أحيل إلى اللجنة بتاريخ 2012/12/13 المرسوم بقانون المشار اليه أعلاه، وذلك لدراسته وتقديم تقرير في شأنه إلى المجلس».
(تراجع حافظة المستندات)
ولما كانت إحالة المرسوم إلى اللجنة قد تم وفقا لما هو وارد في تقرير لجنة الداخلية والدفاع بتاريخ 13/12/2012، وهو يصادف يوم الخميس السابق على الجلسة الأولى للمجلس، والتي تمت في يوم الاحد الموافق 16/12/2012، وقد تمت الاحالة من قبل رئيس السن، وقبل ان يقسم اليمين الدستورية التي اشترطتها المادة 91 من الدستوري لمزاولة الاعمال البرلمانية، ولما كانت الاحالة إلى اللجان عملا برلمانيا، فان الاحالة بذلك تكون باطلة هي والعدم سواء، ولما كان الرئيس المنتخب أعلن للنواب أن المراسيم قد أحيلت للجان قبل عرضها على المجلس، فان شرط العرض الوجوبي على النحو السالف ذكره الذي استلزمته المادة 71 لم يتحقق.
أيضا ان صلاحية الرئيس بالاحالة إلى اللجان وردت في المادة 112 من اللائحة الداخلية، ولم تورد في الدستور، وبالتالي، فانه كأصل عام، فان الواجب ان تعرض المراسيم اولا من قبل رئيس منتخب، وليس رئيس السن، وامام اعضاء اقسموا اليمين الدستورية، ثم يستطيع الرئيس – ان شاء – ان يحيل المرسوم او المراسيم إلى اللجان المختصة، ما يعني ان الاحالة تكون لاحقة على العرض، وليست سابقة عليه، بخلاف ما حدث، ما يعني عدم تحقق العرض القانون لمرسوم الانتخاب والمراسيم الأخرى، فإذا انتفى العرض أصبحت المراسيم هي والعدم سواء، والعدم لا يولد الا عدما، ما يعني وجوبا زوال اثر هذه المراسيم بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، وهو ما يجب التقرير به.
وبإسقاط قيود وقواعد المادة 71 من الدستور على ما حدث يتبين لنا ما يلي:
أولا: أن المادة 71 من الدستور تفرق من حيث الآثار القانونية في ما يتعلق بعملية عرض المراسيم بقوانين التي صدرت في غيبة الحياة النيابية على مجلس الأمة أو تخلّف هذا العرض، بين ما يترتب على كل من هاتين الواقعتين، وإحداهما إيجابية والثانية سلبية، من نتائج قانونية، فتقرر حكما لازما ما يفرض جزاء وجوبيا لا حيلة ولا خيار للمجلس فيه، بل يتحقق تلقائيا دون تدخّل من جانب المجلس أو أن إمكان درئه بالترخص في أعماله أو إهماله، وهذا الحكم هو زوال ما كان للمراسيم بقوانين التي تستوجب الضرورة الإسراع في إصدارها في ما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، من قوة القانون بأثر رجعي بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك.
ثانيا: يستلزم عرض المرسوم او المراسيم في أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، أما في حالة عرضها على المجلس في الميعاد المقرر، فإنه تتحصن من السقوط وان بقيت قلقة في مركزها القانوني الذي لا يستقر إلا بصدور قرار المجلس في شأنه بإقرارها أو برفض الموافقة عليها، فإذا اقرها انتقلت من طور التشريع المعلق على شرط هذا الإقرار الى وضع التشريع الكامل المستقر في البنيان القانوني للدولة، وزايلها التعليق القلق باكتسابها صفة الثبات والحجية، دون أن تتغير طبيعتها الموضوعية وإن تغيرت طبيعتها القانونية بتحولها من وضع التربص الى قوانين كاملة، واستمدت شرعيتها من تصدي المجلس لها وإقرارها إياها بعد أن كانت تكتسبها من حالة الضرورة.
ثالثا: يمر المرسوم في مرحلتين، الأولى عن إصداره في فترة الحل، والمرحلة الثانية التي تبدأ بمجرد انقضاء الفتر ة على العرض عند حلول موعد وجوبه، سواء تم أو تخلف وفي هذه المرحلة يكون البت
في مصيــر المراســـيم بقوانين رهينا بقرار المجلس في شأنها، في حالة عرضها عليه، أو بزوالها التلقائي الحتمي باثر رجعي بغير حاجة الى إصدار قرار بذلك، في حالة عدم عرضها، وهو ما نواجهه في هذه الحالة.
رابعا: أن الدستور ومجلس الأمة لا يعترف ولا يمكن أن يعترف بشرعية إجراءات أو تدابير منافية أو مخالفة لأحكام الدستور، وبالتالي وبالتطبيق الصحيح لنص المادة 71 فانه لا خيار للمجلس له عن تناوله إياها بالإجراء الدستوري السليم، بعد عرضها عليه لاتخاذ قراره في شأنها بالتصديق عليها أو رفضها، وهو ما يعرف بالتمكين القانوني للنص من قبل أعضاء المجلس، ومتى تقررت رقابة المجلس للمراسيم بقوانين كافة أيا كانت طبيعتها وظروف إصدارها، فإن النتيجة المنطقية الحتمية التي تترتب على ذلك هي وجوب عرضها على المجلس في جميع الأحوال لتمكينه من ممارسة هذه الرقابة عملا بالقاعدة الأصولية التي تقضي بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكل من العرض وإعمال الرقابة هو الإجراء الدستوري الصحيح الواجب الاتباع بمجرد العودة الى الوضع الدستوري السليم، ارتدادا الى الصواب، وهما أمران متلازمان لا ينفك أحدهما من الآخر وإلا اختل التوازن وتجزأت الشرعية وانفرط عقدها، كما أن ابلغ شاهد على القيمة القانونية للعمل البرلماني الذي يصدر من المجلس من خلال رئيسه أو أعضائه -بصدد المراسيم بقوانين ما أوجبته المادة 71 من الدستور من ضرورة عرضها على المجلس وما رتبته هذه المادة من آثار على هذا العرض أو على الإمساك عنه، ومن البداهة أن قرار المجلس يتوقف على عرض المرسوم بقانون عليه، وهو العرض الذي يسبق قرار الإحالة الى اللجان إن استلزم الأمر ويمهد له، حتى يكون واردا على موضوع هو محل القرار، ومن ثم لزم العرض لتمكين المجلس من مباشرة هذا الحق الذي يقابل حق تصديق الأمير على القوانين والذي لا يمكن انحداره إلى وصف العمل المادي إنكارا لوجوده القانوني المتيقن بعد حصول العرض ومشاركة الحكومة في التصويت عند اتخاذ القرار، وهو الأمر الذي يفضي إلى نتيجة واحدة هي وجوب عرض التشريعات الاستثنائية على المجلس، أيا كانت ظروف إصدارها، وهو عرض تتحقق فيه شروط وأركان التمكين والمعرفة اليقينية القطعية النافية للجهالة للمرسوم وموضوعه وبنيانه، وهو ما لم يتحقق في موضوعنا هنا.
وقد تصدت لجنة فحص الطعون لبيان ذلك جليا في حكمها:
(أن تعرض هذه التشريعات على مجلس الأمة ليمارس سلطته في الرقابة عليهما باستظهار مدى توافر الشرائط المطلوبة منها).
«حكم لجنة فحص الطعون الدستورية 1982/2 صادر بتاريخ 1982/6/28».
والعرض كما سبق واتفق الفقه بل واللغة أيضا انه يعني التمكين والإيضاح والفهم غير المخل والنافي للجهالة في المراسيم وتواريخها وموضوعها فهما صحيحا لا يزوغ به عقل أو يغيب عنه نظرا وهو ما لم يتحقق في موضوعنا هذا.
إن الادعاء بغير ذلك والتحجج بالعرف وما جرى عليه العمل لا ينبغي أبدا أن يجاوز أو يتخطى النص الدستوري الذي يرتد إلى تاريخ صدور الدستور ذاته أو إلى ابتداع نص مغاير لحكم النص الأصلي، ما يفضي إلى زعزعة الحقوق والمراكز القانونية المستقرة، بل الى تصدع كيان النظام القانوني في الدولة بأسرة وإهدار الدستور، وهو القانون الأسمى بتحريف أحكامه عن مقاصدها، أو محاولة الالتفاف على نصوص صارمة وضعت لكي تحقق هدفا شرعيا يستمد شرعيته من نصوص الدستور ذاته.
أيضا انه إذا كانت المراسيم التي لها قوة القانون الصادرة في نطاق أعمال حكم المادة 71 من الدستور، وهي المخولة استثناء للسلطة التنفيذية والمنتفية عنها قرينة المخالفة الدستورية تخضع لوجوب عرضها على مجلس الأمة لإقرارها أو رفضها في المواعيد، ووفقا للأوضاع والإجراءات المنصوص عليها في هذه المادة، وما يترتب على هذا العرض إيجابا أو سلبا من آثار قانونية بالنسبة إلى مصيرها، هذا الفهم الواضح والصريح يجب ألا يؤدي إلى فهم آخر بتصور إضفاء حصانة مطلقة على المراسيم بقوانين التي تصدر خارج إطار التزام أحكام هذه المادة وإيثارها بمناعة لا تحظى بالتمتع بها تلك التي تصدر في حدود هذه الأحكام، وإذا كان مجلس الأمة يستطيع بسلطته الدستورية الكاملة إقرارها أو عدم إقرار المراسيم بقوانين التي يبيح الدستوري للسلطة التنفيذية إصدارها في ظروف الشرعية المبررة لاتخاذها، فإنه يملك بداهة دون ريب ومن باب أولى الحق بسلطته التشريعية المشروعة ذاتها فرض رقابته بإقرار أو رفض المراسيم بقوانين الصادرة في ظروف أضعف مرتبة لا تتحقق فيها مقومات الشرعية المتوافرة في سواها، بل تميل بها الى أوضاع هي لإثارة الشك في صوابها أدنى منها الى بث اليقين بتنزهه عن مظنة الشبهة في سلامتها وأساسها الدستوري، وبالتالي فإن استلزام العرض ووجوبه ليس كماليا أو تزيدا في الألفاظ بل هو حق لصيق بذات حق استصدار المراسيم، وهو يقابل حق الأمير في التصديق على القوانين.
أيضا وجب القول انه لو صح فهم هذه الأحكام في إطلاق تسبيبها في ما ذهبت اليه من تكييف للطبيعة القانونية للمراسيم بقوانين للزم التوحيد بينها في الأثر والنتيجة، أيا كانت الظروف التي صدرت في ظلها دون مفارقة، لاتحاد الطبيعة فيها جميعا على حد سواء، وإذ كان بعضها واجب العرض على المجلس، وإلا سقط من تلقاء ذاته مثل المراسيم التي نتكلم عنها، وكان من سلطة المجلس إقرار أو رفض ما يعرض عليه منها تطبيقا لنص المادة 71 الوجوبي، وليس لإخضاعها لرقابة المجلس إعمالا لحكم المادة 71 من الدستور من معنى سوء تأكيد عدم استكمالها لمقوماتها، وإذا كانت المراسيم بقوانين الدائرة في نطاق الشرعية في حدود المادة المذكورة تخضع لهذه الرقابة بقرينة عدم استيفائها عناصر القوانين التامة المبررة لاستمرار نفاذها بذاتها وسريان أحكامها ولذلك، فإن أهم عنصر هو ضرورة عرضها في أول جلسة وبصورة قاطعة وواضحة، وبعكس ذلك فإنها ترتب جزاء خطيرا على عدم تحقق هذا الشرط، وهو زوال أثرها القانوني بأثر رجعي، وذلك يكون الجزاء خطيرا يوازي خطورة تجاهل العرض أو تجاوزه.
لقد أتت المادة 71 من الدستور بنوعين من المراسيم، وما يعنينا هو المراسيم التي تصدر في فترة الحل، واستلزم عودة الشرعية الدستورية وهو موضوع هذه الصحيفة، وهو ما يستلزم التوسع في شرح طبيعة الظروف فقط للاستدلال على بيان الأهمية التي وضعها المشرع الدستوري على أي مراسيم تصدر في فترة الحل.
إن مقتضى توازي المراسيم بقوانين بوجه عام يقوم ويرتكز على تباين الظروف التي تصدر فيها وتكافؤها فيما يتعلق بنفاذها وسريانها، وذلك من خلال إخضاعها لحكم واحد. فإما أن تكون جميعها معصومة عن الرقابة التشريعية التي يسلطها مجلس الأمة على شرعيتها، وهذا النظر يتناقض مع حكم المادة 71 من الدستور ويفضى إلى إيجاد منفذ للتوصل إلى تعديل أحكام الدستور بطريقة غير مباشرة وعلى خلاف ما يقضي به الدستور ذاته في ما يختص بتنقيحه بتعديل أو حذف حكم أو اكثر من أحكامه أو بإضافة أحكام جديدة اليه، وإما تخضع جميع المراسيم بالقوانين التي تصدر بصفة استثنائية في ظروف الضرورة دون تفرقة أو تمييز بينها بسبب نوع الحل، فيفرض عليها المجلس رقابته المستمدة من المادة 71 من الدستور ولو كانت صادرة دون الالتزام بأحكام هذه المادة، وأبرز مظاهر هذه الرقابة هو العرض القانوني السليم في أول جلسة للمجلس حماية للشرعية الدستورية وتعزيزا لمفهوم الرقابة الدستورية.
والنتيجة المنطقية الحتمية لهذا هي انطباق أحكام المادة 71 من الدستور على جميع حالات الحل فيما يتعلق بمعقباته على حد سواء، مادام رقابة السلطة التشريعية على التشريعات الاستثنائية التي تصدرها السلطة التنفيذية إبان فترة الحل ووجوب عرض هذه التشريعات على مجلس الأمة وحقه في إقرارها أو رفض الموافقة عليها، يستند الى حكمه مردها الى واقعة الحل ذاتها، وهي متحققة في جميع حالات الحل لارتباطها به لزوما ارتباطا مجردا عن أي ظروف أخرى وتنسحب على الحل المستظل بحكم المادة المشار إليها، وبالتالي فإن ربط العرض القانوني للمراسيم بزوال اثرها إن لم تعرض يستلزم وجوبا عرضها عليه في المواعيد التي حددتها هذه المادة وإلا سقطت، لكي يتولى بعد ذلك إقرارها، وإلا زالت قوتها القانونية على الوجه الذي تقرره ذات المادة، لكون المادة المذكورة، في إطلاق عبارتها، إنما تقر أصلا دستوريا عاما لا محيص عنه يرتبط بمصير التشريعات الاستثنائية سندها قيام حالة الضرورة لا يمكن أن ترقى الى مستوى التشريعات الكاملة، بل تظل معلقة على شرط إقرار مجلس الأمة لها لكي تستكمل مقومات القوانين الكاملة وتجرى مجراها وتزايلها حالة القلق لتنقل من طور التعليق إلى مرحلة الاستقرار، الأمر الذي يستوجب حتما عرضها على المجلس لاتخاذ قرارها في شأنها حتى لا يكون الخروج عن الأوضاع الدستورية السوية حجة تكسب الإجراء المشوب بعدم الاعتداد بهذه الأوضاع حصانة تضفي عليه قوة تعصمه من الخضوع لمقاييس الشرعية التي تحكم الإجراء المبرأ من الإخلال بالشرعية.
– عدم طغيان سلطة على أخرى:
أن ما لا يسوغ قبوله في ظل الدولة القانونية، أن التصرفات التي تقوم بها إحدى السلطات العامة في الدولة وهي هنا مجلس الأمة وتنطوى على إخلال بأحكام الدستور في حالة عدم عرض المراسيم لا يمكن أن ترقى إلى درجة اعتبارها مصدرا للقواعد الدستورية أو تفسيرا لها، وبالتحليل على نصوص الدستور، كما أن مجرد قيام ظروف واقعي مثل الإحالة المسبقة أو الإشارة إلى المراسيم جملة ودون تفصيل في جدول الأعمال لا يمكن أن يعدل حالة قانونية أو يوقفها أو يلغيها، ولا محل للاستناد إلى فكرة أو مبدأ شاذ دستوريا لتبرير الخروج على قواعد الشرعية الدستورية، كما أن تطبيق الموضوعي للمادة 71 من الدستور يتخصص ويرتبط بالخصوم وأطراف الدعوى محلا وسببا وهي الفصل في تحديد ماهية العرض وعواقب التخلف عنه.
– ارتباط الحل بإصدار المرسوم:
لأن الأصل الدستوري هو وجوب عرض كل مرسوم بقانون على المجلس دون استثناء يكون مرده إلى طبيعة الحل، بمعنى أنه لو لم يكن الحل لما وجدت مراسيم الضرورة المقيدة بنص المادة 71 التي تؤخذ على إطلاقها جملة ودون تفصيل مخل، وبالتالي يستلزم التطبيق الحرفي لنص المادة 71 وان يتم احترام التربية في العرض والتمكين ثم الإحالة إلى اللجان إن كان لها مقتضى أما بعكس ذلك فإنه يبطل المراسيم، لعدم جواز ترتيب صحيح على فاسد أوتغليب عدم الشرعية على الشرعية، واستحالة قيام موجود علة معدوم، ومتى انتفى إمكان الوصول إلى نتيجة سليمة عن طريق إجراء غير سليم هو الإحالة إلى اللجان قبل العرض من قبل رئيس السن وقبل القسم الدستوري، فهو لا يقبل أن تخالف الغاية وامتناع استخلاف شرعية من نفيضها، لأن الحماية الدستورية وشرعية نصوصه لا ينبغي أن تسخر لدفع الحماية عن الدستور بدلا من الدفاع عنه، ومادام ما يصدر في غيبة الحياة النيابية من تشريعات تطلق عليها تسمية واحدة هي أنها مراسيم بقوانين، فكذلك يكون حكمها واحدا من حيث وجوب عرضها جميعا على المجلس على حد سواء، فالعرض فريضة لازمة لا عاصم منها، لا توفى إلا بالأداء، ولا يملك أحد عنها حولا، ومن ثم يغدو طلب تقرير زوال أثر هذه المراسيم هو الحقيقة البينة واردا على محل صحيح لأن الذي لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
– وبالاطلاع على تقرير لجنة الداخلية والدفاع التي أحيل لها مرسوم الصوت الواحد، تبين أن الإحالة قد تمت في 2012/12/13 من قبل رئيس السن وقبل انعقاد الجلسة الأولى للمجس مما يبطل هذه الإحالة، وبالتالي يؤدي إلى زوال أثر هذه المراسيم لعدم عرضها على المجلس في أول جلسة له، ولا يكفي إعلام المجلس في أول جلسة بأن المراسيم قد «أحيلت» إلى اللجان، لأن العرض يختلف عن الإعلام بشأنه.
وإذا كان ما تقدم وكان عرض المراسيم التي صدرت بالتطبيق لنص المادة 71 من الدستور لم يتم عرضها عرضا حقيقا على نحو ما قررته المادة المذكورة وتم إحالتها إلى اللجان المتخصصة قبل العرض الحقيقي خلافا لأحكام اللائحة ولم يتم عرضها عرضا حقيقا نافيا للجهالة على النحو الذي قرره الدستور واللائحة الداخلية للمجلس، فمن ثم تكون قد أخذت حكما حالة عدم العرض الواردة بنص المادة 71 من الدستور ونص المادة 111 من اللائحة الداخلية للمجلس وزال رجعي ما كان لها من قوة القانون ويتعين من ثم التقرير بذلك.
وحيث إنه ولما كان ما تقدم وكان المرسوم المشار إليه بصدر هذه الصحيفة من ضمن المراسيم التي صدرت تطبيقا لنص المادة 71 من الدستور ولم يتخذ بشأنها ما نص عليه الدستور وأحكام اللائحة الداخلية لمجلس الأمة فيكون قد زال بأثر رجعي ما كان له من قوة القانون.
وجود شرط المصلحة المباشرة والمحتملة: شرط المصلحة القائمة المشروعة التي يقرها القانون اللازم توافرها طبقا لنص المادة الثانية من قانون المرافعات لقبول أي طلب أو دعوى متوافر لدى المدعي ذلك أن الحماية القضائية لا ينبغي أن تستخدم لدفع الحماية عن الدستور بدلا من الدفاع عنه، فضلا عن أن حق الانتخاب من أبرز الحقوق السياسية فهو الذي يضمن مشاركة أفراد الشعب في شؤون الحكم وذلك عن طريق اختيار ممثليهم في البرلمان من ناحية أو المشاركة في الاستفتاء من ناحية أخرى، وقد كفل الدستور الكويتي حق الانتخاب عندما نص المادة 80 منه على أن، «يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطرق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب».
وهو ما يريد الطالب أن يتحقق له تمكينا لممارسة حقه الدستوري ترشيحا وانتخابا.
وإذا كان ما تقدم، وكان المرسوم سالف الذكر قد قيد حق الطالب في حق الانتخاب المقرر قانونا بنص المادة 1 من القانون رقم 63/35 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة كحق شخصي لصيق به ولا يمكن فصله عنه في اختيار أكثر من مرشح يكونون من وجهة نظره مكملين لأداء العملية الديمقراطية في المجلس، وحدده في اختيار مرشح واحد فقط دون ترك حرية الاختيار لأكثر من مرشح، فلا يجوز تحت ستار تنظيم الحق الذهاب بأصله كلية أو جزئيا بتقييده ومن ثم يكون قد قيد المدعي في ممارسة حقه القانوني لما لهذا المرسوم من تضييق للقاعدة الانتخابية في كل الدوائر وانهيار لمبدأ العدالة في التمثيل والمساواة لجميع الناخبين وعدم ترسيخ المفاهيم الدستورية والديمقراطية الحقة بما يسمح للتأثيرات السلبية المرتبطة بقلة عدد الناخبين في الدوائر للمرشح الواحد، كما أنه يحمل النائب المرشح باعتبار نفسه ممثلا لفئة معينة من الأفراد لا لمجموع أمته مما يهدم معه ركنا مهما من أركان النظام النيابي وما يترتب على ذلك من إضعاف مقومات الوحدة الوطنية والتأثير على تلاحم المجتمع الكويتي وتماسكه، وتكون للمدعي من ثم مصلحة في التقرير بزوال ما كان له من قوة القانون واستصدار حكما بذلك ، يسمح للطالب بالترشيح والانتخاب في انتخابات قانونيه شرعية تحت مظلة القانون رقم 2006/42 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الأمة مما يوجد حالة المصلحة القانونية المباشرة والمحتملة.
وأيضا فإن اللجوء للقضاء وهو دوما لمنح الحماية للدستور ونصوصه لا لتأكيد عرف فاسد أو تفسير لا يتناغم مع مفردات دستورية واضحة لا تقبل الجدل أو التأويل، فالدستور هو مظلة القوانين كلها وبه وحده يكون صمام الأمان من طغيان سلطة على سلطة.
الخلاصة:
– تلخيصا لكل ما سلف نورد أبرز نقاط هذه الصحيفة:
أولا: صدر المرسوم رقم 2012/20 بشأن تعديل طريقة الانتخاب لنص المادة 71 من الدستور.
ثانيا: أحال رئيس السن يوم 2012/12/13 الموافق يوم الخميس هذا المرسوم إلى لجنة الداخلية والدفاع وفق ما هو وارد بتقرير اللجنة ذاتها أي قبل الجلسة الأولــــى لمجلس الأمــة يوم 2012/12/16.
ثالثا: لم يتم حلف اليمين لرئيس السن حين قام بهذا العمل البرلماني، إحالة المرسوم إلى اللجنة، ولم يتم انتخاب الرئيس أو أعضاء اللجان أصلا.
رابعا: عند تسلم الرئيس المنتخب لمنصبه، اكتفى وفق ما هو ثابت بالمضبطة إلى ذكر إجمالي المراسيم الصادرة من تاريخ 2012/10/7 وحتى 2012/12/15 دون ذكر أي تفصيل لأي من المراسيم.
خامسا: استخدام الرئيس المنتخب كلمة (أحليت) المراسيم إلى اللجان ما يعني أن الإحالة تمت قبل العرض الدستوري الذي لم يتم أصلا وفق ما سبق بيانه.
سادسا: لم يتحقق شرط العرض الدستوري للمراسيم كما أوضحه حكم لجنة فحص الطعون الدستورية في حكمها رقم 1982/2.
سابعا: مما حدث فإنه يتعين تقرير زوال أثر هذا المرسوم بأثر رجعي كتطبيق
صحيح لنص المادة 71.
طلب عاجل
لما كان ما تقدم، وكان مجلس الأمة الحالي قد تم انتخابه تحت مظلة المرسوم المشار إليه بصدر هذه الصحيفة وكان ذلك المرسوم وعلى نحو ما تقدم ذكره لم تتخذ بشأنه الإجراءات والأحكام التي نص عليها بالدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة فيكون من ثم قد زالت عنه قوة القانون وأصبح المجلس حاليا مجلسا لا يتمتع بالشرعية الدستورية، فمن ثم يتعين الحكم: أولا بصفة مستعجلة: بوفق جلسات مجلس الأمة القادمة لحين الفصل في الدعوى نهائيا.
وعليه:
أنا مندوب الإعلان سالف الذكر قد انتقلت في تاريخه أعلاه إلى حيث مقر المعلن إليه وأعلنته وسلمته صورة عن هذه الصحيفة وكلفته الحضور إلى مقر المحكمة الكلية بقصر العدل أمام الدائرة (/ ) وذلك بجلستها التي ستنعقد علنا «في الساعة الثامنة والنصف صباحا» وما بعدها يوم الموافق / /2013 وذلك لسماعه الحكم.
أولا: وبصفة مستعجلة بوقف جلسات مجلس الأمة مؤقتا لحين الفصل في الدعوى بحكم نهائي وبات.
ثانيا: وفي الموضوع بالتقرير بزوال وبأثر رجعي ما كان للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 الصادر في 2012/10/7 من قوة القانون مع إلزام المعلن إليهما بالمصروفات.
المصدر “الكويتية”
قم بكتابة اول تعليق