في ظل ما تعيشه البلاد من واقع مأساوي، يأتي حريق الإطارات في «رحيّة» – أو بالأصح – حرقها، مجرد نتيجة عملية تعكس مأساوية هذا الواقع، ولا أظنه بحاجة إلى هذا الضجيج وهذه التقافزات إلى ميدانه لاستظهار مأساة جديدة بوجه قديم!
لا أرى ذلك الحريق يعني شيئا ولا هو مفاجأة ولا مأساة ننصب المشانق لمن تسبب فيها أو فعلها، بل هو أشبه بشربة ماء بين الوجبات، ويبدو قزما بجانب الواقع الذي تعيشه البلاد والذي انتج ومازال ينتج حرائق هي أشد خطرا من حريق «رحية»، وهو حريق يطفئه الماء وأكوام من تراب، أما الحرائق الأخرى المأساوية فلا ماء يطفئ نارها ولا تراب ولا كونكريت!
البلاد التي ترتضي أن تنسحب من النور إلى الظلام، لا يضيرها أن تحترق إطاراتها في الهواء الطلق! تكمن المأساة في التخلف والرجعية وانعدام فرص الحياة للإنسان، وليس في حرق الإطارات، المأساة في حرق الإنسان لا في حرق الإطارات «لو كنتم تعلمون»!
في ظل الانقسام الطائفي والفئوي الحاد والصريح، وفي ظل الفساد المستشري في نفوس كبراء القوم وعقولهم، فلا معنى لتضخيم حريق الإطارات، وفي ظل برلمان يشرّع للقتل وللإعدام، يكون الحريق خبرا في صفحة الحوادث ليس إلا، وفي ظل محاولة نحر مواطن وهو في حماية أجهزة الأمن فلا معنى لإظهار حريق الإطارات وكأنه الكارثة الكبرى!
ولقد قال أجدادنا فيما قالوا من حكم «الميت ما تضره الطعنة» وقال فصيحهم «أنا الغريق فما خوفي من البلل»، و«ما لجرح بميت إيلام»!
هل تبكون إطارات مشتعلة تهدد البيئة وحياة الإنسان وأنتم الذين نحرتم الإنسان وبيئته ووطنه؟!
لا يحق لقتلة الأوطان والإنسان البكاء على قطة ماتت في الطريق!
رهافة القلب هذه ورقّة العواطف لن يصدق أحد توافرهما فيمن قلبه حجرٌ لا يئن ولا يحزن على وطن أحرقه بيديه!
حريق «رحيّة» لا يعدو كونه مشاعل العرس الأسود الذي تزف فيه البلاد إلى مثوى لها – أرجو ألا يكون الأخير !
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق