نقول دائما ان عملية التغيير والتحول والتنمية في الكويت والعالم العربي لابد من ان تبدأ بتحول نوعي في التعليم العام والجامعي. ولا شك في بأن التغييرات والثورات والانتفاضات العربية الجارية في عدة دول، فرصة للتركيز على هذا الهدف. ولكن الكل يشعر ان هذا الهدف المحوري ضائع مغيب، وسط الصراعات السياسية والحزبية والدستورية والدينية. بل ان الجماعات الاسلامية وبخاصة الاخوان في مصر، لديهم خططهم المجهولة – المعلومة، لاستخدام التعليم ضمن وسائل تعزيز هيمنتهم على المجتمع وتشكيل عقول الناشئة وربما تقسيم المناهج الى مناهج رجالية.. ومناهج نسائية، كما جرى اخيرا في ايران.
التحولات الآسيوية العظمى، منذ التجربة اليابانية حتى سنغافورة، جرت في ظل استخدام الاداة التعليمية ودمجها بالعملية الابتكارية والانتاجية. فالتعليم رأسمال ومادة خام وطاقة! فهل ثمة أي احتمال لأن تتحول تونس مثلا الى هذا الاتجاه؟ وهل ستسير ليبيا على هذ االدرب؟ وهل ستنتهي في مصر تقاليد الدراسة الجماعية في الكليات الجامعية المدعومة، ثم التخرج نحو دنيا البطالة والهجرة؟
ولا يلغي احد في أي مكان من العالم الاهداف المعروفة لنشر التعليم. ولكن التجربة الآسيوية في مجال التعليم شيء آخر. اذ ينبغي ان يكون للتعليم في العالم العربي عدة اهداف محورية في هذا العصر كما في بلدان آسيا وهي:
أ – تعليم الناس وتوسيع افقهم وإعدادهم للتعامل مع الحياة الحديثة.
ب – إعداد القوى العاملة للكثير من المهن بمختلف انواعها.
جـ – ترسيخ قيم الحداثة والديموقراطية والمنافسة العالمية وغيرها.
د – إحداث تحولات اقتصادية كبرى في البنية الانتاجية.
ما يهدد مسيرة التعليم الحديث في بلداننا ليس ما يحتاجه هذا التعليم من ميزانيات فحسب، بل وكذلك تخليصه مما يهدده من مخاطر سياسية وثقافية ودينية وتعصبات وفساد وغير ذلك.
فحتى وزراء التربية في دول مثل مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية والعراق والاردن، وبالطبع الكويت، ليسوا احرارا في تبني واقتباس ما يريدون من مناهج تربوية حتى لو كانت ناجحة في أي دولة من دول العالم. اذ لابد من ان تتطابق مع ثقافتنا وخصوصياتنا ونتائج صراعاتنا وغير ذلك كثير!
ولهذا سيبقى التعليم اسير الواقع العربي طويلا!
في الاول من سبتمبر 2001، قبل عشرة ايام من الكارثة الارهابية، التقت نخبة مثقفة خليجية وعربية في كلية سانت كاترين بجامعة اكسفود «في اللقاء السنوي الحادي عشر لمشروع دراسات الديموقراطية في البلدان العربية، حيث نشرت دار الساقي اعمال الندوة التي حررها د.علي الكواري بعنوان «ازمة الديموقراطية في البلدان العربية»، بيروت 2004.
احد المشاركين الاردنيين ابدى تشاؤمه من امكانية تغيير الثقافة العربية المعارضة لنمو الديموقراطية فقال: «لا اظن احدا يعارض القول ان الثقافة السائدة في المجتمع العربي الكبير، بما يتضمن المجتمع الاردني بطبيعة الحال، هي من امنع الحصون التي تقف في وجه اختراق القيم الديموقراطية للمجتمع. انها – أي الثقافة العربية – افراز تاريخي طبيعي لقرون متواصلة عاشتها المنطقة العربية في ظل مجتمعات لم يقيض لها ادراج المفاهيم والممارسات الديموقراطية ضمن قواميس تفاعلاتها». ولكن الباحث وضع ثقته بما يستطيع التعليم ان يفعله في هذا المجال وبخاصة «على صعيد تنوير المواطنين بأهمية الديموقراطية وجدوى انتهاجها باعتبارها اسلوب حياة». (ص245).
وكانت الكويت قد شهدت قبل ذلك عقد مؤتمر علمي في كلية التربية بالجامعة بعنوان «الديموقراطية والتربية في الكويت والوطن العربي»، نوفمبر 1999.
لقد تولت «ثورات الربيع العربي» الى صراعات ومشاحنات حزبية وفئوية. ومن المستبعد ان تدرك النخبة الفاعلة في احداثها والمستفيدة من تطوراتها، اهمية الثورة التعليمية المنشودة والكفيلة في ذاتها بالقضاء على الفقر وتوفير فرص العمل والاستغناء حتى عن الذهب والبترول!
هل سنكتشف التغيير العصري الحقيقي في هذه المجتمعات، أم سنبقى اسرى تاريخنا السياسي وثقافتنا الاجتماعية وتقاليدنا وصراعاتنا؟
سؤال لايزال يجثم على كل تجارب التغيير التي نعيشها!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق