يشعر الجميع، لا سيما المتابعون للشأن السياسي، بتراجع دور السلطة التشريعية والعمل النيابي من قبل نواب المجلس المتعاقبين فصلاً تشريعياً بعد آخر، فبمقارنة سريعة لأداء النائب في السنوات الأخيرة بمثيلتها من السنوات التي سبقتها، يتضح تراجع «شديد» في الأداء النيابي والممارسة السياسية، سواء على مستوى الثقافة التشريعية، أو لغة الخطاب، أو على مستوى التصريحات الصحفية، أو روحية العمل في اللجان البرلمانية، فضلاً عن الحرية المسؤولة التي كان يمارس النائب عمله في السابق من خلالها.
ويعتبر بيت الداء لذلك التراجع هو قرار الترشيح من قبل النائب أو المرشح في أوقاتنا الحالية، فبين عشية وضحاها يقرر النائب خوض الانتخابات إلى درجة أن الدائرة المحيطة به يفاجؤون برؤيته في إدارة الانتخابات معلناً ترشحه، من دون أن تسبقه أي خطوات أو تحركات مسبقة، أو التجهيز لبرنامج سياسي، وتحضيرات انتخابية صحيحة.
فقد خرج من رحم المجالس السابقة مستقلون كانوا يمثلون القوة الحقيقية للمجلس وعمله النيابي، ساهموا بشكل كبير في رسم خريطة تشريعية، أقرت فيما بعد في شكل قوانين، كان لها أكبر الأثر في حل كثير من قضايا مجتمعنا.
ومن هؤلاء المستقلين أشخاص ساهموا في تنفيذ أجندة سياسية وطنية بتصويتاتهم ومواقفهم الواضحة، وشهدت تلك الفترة من التعاون والالتزام والانسجام مع زملائهم من التيارات الأخرى نتائج رائعة، شغلت الرأي العام كثيراً، مثل قضايا المال العام، والحريات، والدفاع عن الدستور ومكتسباته، من دون أي تمصلح شخصي، ولا حب الظهور، بل كانوا يمارسون دورهم وفق قناعاتهم المبدئية، وما تمليه عليهم ضمائرهم، وشعورهم بالمسؤولية. وبالنظر إلى بعض مستقلي المجالس الأخيرة، نرى أنه غابت عنهم الشخصية المستقلة السياسية، والخطاب البرلماني المعتدل، وعطاء الفريق الواحد، ونجحت بعض الكتل السياسية بخبرات عدد من نوابها في السيطرة على هؤلاء المستقلين، واستقطابهم دون وجود لشخصيتهم السياسية الحقيقية التي تعبر عن ممثليهم في الشارع الكويتي.
بل أصبح بعض المستقلين ممثلاً لبعض الأطراف النافذة، ولبعض قوى المصالح داخل البرلمان، ويتبنى قضايا وأجندات، واستجوابات، وسيناريوهات وتصريحات، لمجرد تصفية حسابات مع هذه الكتلة أو تلك، أو هذا الطرف أو ذاك… ولذلك رأينا، ونرى، صراع كتل ومجاميع سياسية، ودخول بعض المستقلين على خط الصراع لمن استقطبوهم ودعموهم.
فقد أصبح المشهد السياسي في الكويت يفتقر إلى الشعور بالمسؤولية السياسية وعنصر المكاشفة والرؤية السياسية الفكرية العميقة وفق المصلحة العامة، ويفتقد لمفهوم الاستقلالية ولدور المستقلين في بلورة القرار السياسي.
فالولاءات والاستقطابات والتحزب والأجندات المعقدة جعلتنا نخسر رصيداً «كبيراً» من المساهمات والمبادرات الآيلة إلى حل الأزمات السياسية في البلاد.
فوزية أبل
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق