بدمع أرثيك، لا بحبر أكتب رثاءك.
وهل بغير الدمع يرثى النبلاء؟!
أرثيك يا «عبدالرحمن الهادي» بكثير من الدمع.
أرثيك ـ لا لأنك صديق ـ ولكنما أرثيك لأنك نبيل فائق النبل.
إن كانت أمي حملتني في بطنها تسعة أشهر وهنا على وهن، فقد حملتني أنت في قلبك خمسين عاما وهنا على وهن.
عرفتك وقد كانت عظامنا خضراء طرية، ومت أنت وقد شاخت ويبست مني العظام وظلت عظامك خضراء طرية حتى موتك.
ما حملتني وحدي ـ وهنا على وهن ـ ولكنك حملت بذلك الوهن كل من عرفك ودق بابك.
كم امتدت يدك تطرق أبوابا لا تعرف أهلها ولكنك عرفت عوزهم فجادت يمينك بما لم تدر يسارك، وأنت الذي لا قافلة لك تحمل أثقال رزقك ولا ثقلت المصارف بأموالك.
لا أرثيك لأنك صديق صدوق سارت بنا سفينة الحياة خمسين عاما، ولكنما أرثي فيك خصالا وسجايا وأخلاقا ونبلا.. تلك فيك أرثيها يا عبدالرحمن.
كم ظلموك ظلما أغاظني فكنت أنت من يدافع عن ظالميك إذا ما تناولهم لساني وكأنك لست المظلوم ولست من استفزني ظلم ظالميه له ومن تنكروا لإحسانه فأساءوا إليه وقابلوا إحسانه بنكران كافر.
الخير فيك سجية غرزها فيك الرحمن الذي عبدته اسما وفعلا فأطلت في الخشوع والركوع والسجود.. وكم أثقلت على قدميك المتورمتين المتألمتين ألما لا يجعلك تنام ولا تهدأ..حتى تأخذاك متعكزا إلى بيت الرحمن الذي أخلصت في عبادته داخل المسجد وخارجه.
وكم عجبت لك وأنت رهين المرض والألم والوجع في سنواتك الأخيرة، وأنا أراك وكأنك كامل الصحة تام العافية، لا تقصر عن فعل خير كنت تأتيه وأنت في صحتك ولم يمنعك سقمك عن فعله وقد دنا منك الموت وبات ملاكه يحوم قريبا منك وليس ببعيد.
وحين كلمتك آخر حديث ـ وكان الموت حزم أمره معك وبات على مبعدة ساعات منك وقد وهن صوتك حتى لا أكاد أتبين منه شيئا ـ ما كنت جزوعا من ذلك الوحش المتربص بك والذي سينقلك على جناحيه إلى الغيبة الأبدية.
بموتك فقدت نصفي، وسأعيش إن عشت بنصف ميت.
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق