ثمة تناقض ملحوظ تعيشه المجموعة الثرية في الكويت، اذ انها كانت تدير الاقتصاد الوطني، عندما كان عددها محدودا، بينما تراجع دورها بشكل كامل منذ ما بعد ظهور النفط والاستقلال، رغم ازدياد عدد الاثرياء وتعاظم ثروتهم وامتداد نشاطهم في الداخل والخارج.
كانت البلاد كلها على حافة الافلاس لولا ظهور النفط. فقد طور اليابانيون اللؤلؤ الصناعي المستزرع، وامتد نشاط الشركات البحرية الدولية في مجالات السفر ونقل البضائع، فاهتزت أركان الاقتصاد الكويتي، وتعلقت الحكومة والجماعات التجارية وعامة الشعب.. بتلابيب النفط!
جاء في مقال لرزان عدنان بالقبس 2011/11/11، ما يلي: «قالت دراسة صدرت أخيرا عن شركة الابحاث والاستشارات السنغافورية «ويلث اكس»، ان 720 ثرياً كويتياً يملكون ثروة مجموعها 122 مليار دولار، ليحتلوا بذلك المرتبة الثالثة في منطقة الشرق الاوسط، حيث يشكلون %16 من مجموعة اثرياء المنطقة».
لم استغرب ان يكون عدد الاثرياء في السعودية اكثر، حيث بلغت ثروتهم 227 ملياراً وعددهم 1225، فيما جاء الاماراتيون بعدهم مباشرة بـ775 ثريا مجموع ثرواتهم 116 مليارا. غير ان اثرياء سورية كان عددهم 225 وثروتهم 23 مليارا، فكان ترتيبهم السادس.. بعد اثرياء قطر.
ولا تتمتع اسرائيل بأى بترول او ذهب او يورانيوم. ومع هذا جاء ترتيبها، من ناحية عدد الاثرياء، بعد الكويت مباشرة وقبل قطر، بعدد بلغ 315 ثرياً، من «اصحاب الثروات الصافية جدا»، UHNW، وهم في هذه الدراسة من تبلغ ثرواتهم 30 مليون دولار او تزيد. وكان اجمالي ثروة الاسرائيليين الاثرياء بهذا المقياس 68 مليار دولار. نحن اغنى من الاسرائيليين!
اشادت دراسات الاقتصاد والخصخصة بعد انتهاء موجة التأميم والاشتراكية والاقتصاد الموجه، بالعائلات التجارية الثرية في دولة الكويت وبقية الدول الخليجية فبعض هذه العائلات عريقة تاريخيا وذات خبرة تجارية ممتدة، وهي بعكس اثرياء سورية ومصر والعراق، نجت من الموجات الثورية والتأميم والمصادرة والتفكيك ومن هنا فهي تملك القدرة والخبرة على ان تجابه مسؤوليات دور تنموي واستثماري اكبر على الصعيد الوطني وفي الخارج.
ما يلفت النظر في مجال العراقة والامتداد العائلي للعائلات التجارية الكبيرة في الكويت، انها لم تكتب شيئاً للشباب حول النجاح الاستثماري او حسن ادارة الثروة او الاخطاء التي ينبغي تحاشيها في الحياة الاقتصادية الكويتية. فنحن نلاحظ ان اثرياء اوروبا وامريكا وكبار الاقتصاديين فيها يهتمون كل الاهتمام بنقل خبرتهم الى الاجيال اللاحقة وتوجيهها التوجيه الصحيح، بل لا يتوانون عن التبرع بمبالغ ضخمة، وضخمة جدا.. للصالح العام.
بينما نبخل نحن حتى بخبرتنا رغم وجود اكثر من سبعمائة «ثري جدا» من الكويتيين.
الطبقة المتوسطة الكويتية ليست بعيدة عن خبرة تجار الكويت الكبار فحسب، بل هي محرومة من دورهم السياسي كذلك! فالكثير من «متوسطي الحال» والموظفين والمحامين وغيرهم يدعون منذ فترة الى تأسيس «جماعات ليبرالية» تقف امام زحف التشدد الديني والطائفية والقبلية والفساد والتعصب.
جماعات تستطيع ان تضغط في اتجاه بناء اقتصاد وطني منتج.. بدلا من اقتصاد دعم الاستهلاك وزيادة الرواتب وكم بنى هؤلاء الموظفون ومتوسطو الحال من جماعات وهيئات وتشكيلات «وطنية وليبرالية»، تفككت واختفت بعد فترة وجيزة. ولا عجب، فالأحزاب الليبرالية في كل العالم مسنودة من الشركات الكبرى والنخب الاقتصادية المؤثرة ومؤسسات المال والاستثمار والعقار. وهذه هي الفئات الغائبة عن السياسة الكويتية والخليجية والعربية.. في كل هذه الدول! ولهذا لا تكاد تقوم سياسيا وتنظيميا، لليبرالية الكويتية والعربية قائمة.. في اي مكان.
هل صحيح مثلا ان كل هذه الشركات والمؤسسات لا تكترث بمصير السياسات الاقتصادية والقوانين ومشاريع التنمية واستفحال غول الفساد.. وعشرات المشاكل الاخرى؟ هل الكُتاب والموظفون ومتوسطو الحال المعتمدون على الراتب.. قادرون حقا على اصلاح الحال والنهوض بالبلاد؟
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق