طال وقت الهذر فتجاوز حدود الكلام. أفواهنا كاملة الجهوزية وفي كامل لياقتها العضلية من كثرة التدريب والقدرة على إخراج الأصوات، صيوان أذاننا يضمر ويكاد يختفي من ندرة الاستعمال بعد أن أضحى الصمت والسمع والاصغاء من الكبائر والنقائص التي تحط من منزلة المرء وقيمته. صباح مساء نرتدي عباءة الصراخ، نعمم رؤوسنا بالهذر، ونزين صدورنا بأوسمة الضجيج.
محاولة جرجرة المجتمع إلى مستنقع الهذر والفوضى مستمرة، فلا قضية مفيدة ولا موضوع نافعا خارج حدود الشغب وأخبار المحاكم. مقاطعون مشاركون، وكأن لا موهبة لدينا سوى موهبة المماحكة والتضاد والمشاغبة والخلاف. فلا مستقبل نحمل همومه، ولا شغل يشغل البال والخاطر سوى الركض في مضامير الكلام الكبير الذي يفوق قدرتنا على التحمل.
«طاق طرباق على الماي» قالها الشاعر الراحل فهد بورسلي في قصيدته الشهيرة لوصف مشهد التزاحم على الماء في الكويت القديمة، ولو عاد بورسلي إلى الحياة لقال «طاق طرباق على الكلام» حيث الجميع يشهرون الحناجر يهرولون باتجاه «المكلمة» ويتهافتون على تكرار الحديث الكويتي الممل الذي يزعمون أنه حديث سياسة، جاهلين أو متجاهلين أنه حديث يباس وجفاف وظمأ وهلاك، وليس فيه قطرة من ماء الحياة.
www.salahsayer.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق