أحد الأعذار التي يرددها معارضو إسقاط القروض وفوائدها عن المواطنين المقترضين هو عدم العدالة والمساواة، متسائلين: لماذا تتمتع فئة من المواطنين بالقروض، ثم يتم إسقاطها عنهم، بينما هناك فئة أخرى لم تقترض، وبالتالي لم تتمتع بالأموال المقترضة، معتبرين أن في ذلك عدم مساواة بين المواطنين!، إذا كان العذر في معارضة إسقاط القروض وفوائدها هو عدم العدالة، فإنه عذر ضعيف.
من الطبيعي أن من لجأ إلى البنوك ليقترض المال، رغم علمه بأن عبئا ثقيلا من الديون سيحمله لسنوات طويلة، لم يقترض إلا بسبب الحاجة، إما لتصريف شؤون ضرورية، أو توفير احتياجات أساسية بالنسبة له (باستثناء مجموعة قليلة تبحث عن الرفاهية الإضافية بالاقتراض)، ولولا هذه الحاجة الملحّة ما طرق باب البنوك، خاصة أن معظم القروض، إما لتأمين قيمة السكن أو للاستهلاك.
ألا يدعونا ذلك إلى إعادة التساؤل حول العدالة والمساواة بين المواطنين: لماذا يتعرّض بعض المواطنين إلى «الحاجة»، بينما لا يتعرّض آخرون إليها؟ أليس هذا عدم عدالة أيضا في دولة تحقق فائضا كبيرا في موازنتها العامة، ويعمل أكثر من %92 من مواطنيها في القطاع العام؟ لندرس الأسباب قبل إطلاق الأحكام.
في ظل ارتفاع متسارع لأسعار السلع والخدمات وارتفاع جنوني لأسعار العقارات تقابلها زيادات ضئيلة في دخل الفرد، مما يعني انخفاض الدخل الحقيقي له، كيف يستطيع مواطن أن يلبي ضرورياته، وكذلك حاجته الأساسية، وهي المسكن (بيت العمر) دون اللجوء إلى الاقتراض، فقيمة منزل بسيط بلا مواصفات مميزة في منطقة متواضعة، ولا تتجاوز مساحته 400 متر مربع تزيد على 200 ألف دينار (أي 500 دينار للمتر المربع الواحد، ما يعادل 1750 دولارا).. إضافة إلى أكثر من 100 ألف طلب إسكاني متراكم لدى المؤسسة العامة للرعاية السكنية.. والقائمة تطول.
إذاً، عذر عدم العدالة والمساواة لمعارضة إسقاط القروض أو فوائدها (الاسم الصحيح سداد الدولة ديون المواطنين أو شراء الديون) هو عذر غير مقبول، ولكني أتفق على أن إسقاط القروض أو فوائدها بالطرق المطروحة حاليا ليس بالحل الجذري للمشكلة، قد يكون حلا «مخدِّراً» اجتماعياً واقتصادياً لفترة محددة، ثم تعود المشكلة مرة أخرى، بل إنها ستولد مشاكل أخرى على المدى الطويل، كما أن ترك المشكلة على ما هي عليه سيفاقمها، وقد تتحول إلى أزمة، لأن أسعار السلع والعقارات في ارتفاع مستمر، سيؤدي إلى زيادة عدد المواطنين المقترضين لمواجهة ارتفاع الأسعار، فلابد من البحث عن حل جذري يكون بمنزلة مشروع وطني، بحيث يجعلنا على استعداد دائم لمواجهة أي مشكلات في المستقبل، ولا يكون عبئاً متراكماً على الخزانة العامة للدولة.
أسيل عبدالحميد أمين
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق