عبدالمحسن جمعة: إنهم يسعون إلى القتيل الأول

أكتب مقالتي هذه وأنا لا أعلم متى وأين ستكون ما يطلق عليها “مسيرة كرامة وطن” المقبلة، ولكنني أشعر بعمق إحباط وورطة منظمي تلك المسيرات من الحساب ذي التعريف الخفي عبر “تويتر” التي يدعو إليها ويسيرها، وهو غالباً لا يخرج عن الحركات ذات مرجعية الإخوان المسلمين (حدس)، التي أطلقت تجمع “نهج” وما تفرع عنه لاحقاً من تجمعات أججت ما يسمى بالحراك، والتي كانت جميعها من كوادر “حدس”، فورطة أصحاب هذه التحركات هي الفشل الذريع الذي تؤول إليه المسيرات الأخيرة التي تنتهي غالباً بشغب من الأحداث يجرح من صورة المعارضة أو الأغلبية المبطلة، ويقلص ما تبقى من رصيدها الشعبي.
المفاجأة الكبرى في وجهة نظري، والمتابع للأحداث المحلية، هي ردة الفعل المعارضة الشرسة للمناطق الداخلية في كيفان، والعديلية، والخالدية، ومشرف، وأخيراً قرطبة على محاولة تنظيم فعاليات شعبية فيها ضد السُّلطة، وبروز حقيقة مهمة هي غياب الزخم الشعبي للإخوان المسلمين (حدس) في تلك المناطق، بعكس ما كان يروج منذ ثمانينيات القرن الماضي عن تسييد الإخوان للشارع الكويتي، وهو ما يوضح أن حقيقتهم في الكويت أنه تنظيم امتيازات
(منصب+ استثمار)، وهو ما أغرى العديد من الشباب بالاستمرار معهم بعد أن يمضوا فترة الروحانيات والموروث الاجتماعي والعقائدي، الذي يكون غالباً في مرحلة الشباب الجامعية ليحصلوا على تلك المكاسب، وأن انتشار الحجاب والمظاهر المحافظة ظاهرة اجتماعية لا علاقة لها بالقوة الفعلية للإخوان على الأرض.
لذلك فإنه من النادر أن تجد “حدسياً” منضوياً وملتزماً بالتنظيم وضعه الحالي أنه من فئة محدودي الدخل أو من المحتاجين، بل إن معظمهم من أصحاب المناصب في الإدارة العليا الحكومية أو القطاع النفطي والمصرفي الاستثماري ورجال الأعمال، الذين استفادوا من فترة التحالف الطويلة مع السلطة، لذلك فهم ليسوا ممن يمكن استخدامهم في التظاهرات في الشارع، بخلاف طبيعة كوادر الإخوان المسلمين في مصر والأردن، الذين قاسوا ضيم الحياة وعذاب المعتقلات.
ولهذا فإن “الإخوانجي- الحدسي” الكويتي من رواد “المرسيدس واللكزس” والملتحف بالغترة السويسرية والمنتعل بحذاء (…) -أجلكم الله- الفلورنسي غير مستعد لنضال الشوارع، ولذلك كان نزول السادة أسامة الشاهين، ود. حمد المطر، وبعض رموز الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت في مسيرة قرطبة محدوداً ومعزولاً، بينما تجد الكثير من كوادر الحركة، خصوصاً من المناطق الداخلية، غائبين عن المسيرات، ولذلك كان الحل البديل هو التوجه إلى المناطق القبلية، فاختاروا منطقتي صباح الناصر والصباحية على التوالي في المسيرتين التاليتين، على أمل أن يعوضوا ذلك الفشل والإحباط.
بلاشك إن من يختار هاتين المنطقتين يعرف حساسيتهما تماماً، ويسعى إلى هدف واحد هو مواجهة كبرى وربما انفلات أمني ممتد ينتج عنه حدث كبير يثير غضباً شعبياً، وهو بالتأكيد هدر الدم، ولذلك فهم يتنقلون بين تلك المناطق بمدلولها وطبيعة تركيبتها على أمل أن يسقط القتيل الأول الذي يشعل الأحداث، وهنا لا أقصر هذه الأمنية الشيطانية على الإخوان المسلمين، بل إن آخرين يشاركونهم إياها عبر دعوتهم وتجييشهم لأبناء عمومتهم، للمشاركة في تلك المسيرات غير المرخصة، وهو في الحقيقة لعب بالنار، لأنه عندما تعم الفوضى ستتخطى لغة الخطاب السياسي، وسيكون الأمر بيد من يدير العنف والفوضى على الأرض، لا بيد المتخفي خلف حساب وهمي على الإنترنت، والتجربة المصرية توضح ذلك، فصفحة خالد سعيد على الـ”فيسبوك” التي نظمت التظاهرات وأطلقت الثورة المصرية اختفت واختفى أصحابها، وسيطرت على الشارع والحكم في مصر الحركات الأصولية الموجودة على الأرض، لذلك يجب أن يعي الحدسيون أن كوادرهم المخملية لن تسعفهم لو أطلقتم عنان فوضى صباح الناصر والصباحية عبر سعيكم وحلفائكم إلى وقوع القتيل الأول!.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.