تكاد ظاهرة الدراسة في الكافيهات أن تكون قاعدة جديدة دخلت عالمنا العربي مع تضاعف عدد المقاهي بشكل لافت! فلا يكاد أحد منا يذهب الى مقهى الا ويجد فيه العشرات من الطلبة حاملين اجهزتهم الالكترونية وكتبهم وبحوثهم وغير ذلك من مستلزمات الدراسة!
لطالما لعبت المقاهي دوراً سياسياً مهماً، بالإضافة إلى كونها تشكل مقار ثقافية وصالونات حوار، كثيراً ما جمعت اهل السياسة واهل الفن والثقافة.. اشهرها على الاطلاق كافيهات شارع الحمراء في بيروت التي كانت ملتقى اهل الفكر والسياسة في الستينات والسبعينات.. حتى ان البعض اطلق، وبسخرية كبيرة، مقولة ثورات المقاهي على جلسات التنظير الفكري والسياسي في تلك المقاهي، اما في مصر فقد حظيت قهوة «الحرافيش» في حي الحسين على القدر الأكبر من الشهرة، حيث كان يلتقي الكاتب الكبير نجيب محفوظ بأصدقائه ومريديه لتشكل مشهداً ثقافياً ومعلماً أدبياً مهماً!
ولا نستثني هنا الكويت بالطبع من هذه الظاهرة التي طغت على مشهد الشارع الشبابي بشكل كبير! بحيث لم يعد يخلو مقهى من مجاميع طلابية هجرت المكتبات العامة واستعانت بالكافيهات!
لكن المشهد الكويتي تجاوز تلك الظاهرة واصبحت الكافيهات مراكز للدروس الخصوصية بشكل لافت.. ويكاد لا يخلو مقهى من مجاميع طلابية تلتف حول مدرس ومجاميع اخرى بانتظار دورها! وقد تطفلت في احدى المرات وسألت عن حصة الطالب من هذا الدرس الجماعي وعلمت انها تتراوح بين الثلاثين والخمسين ديناراً! فإذا كانت كل مجموعة تحوي من سبعة الى ثمانية طلبة، فنحن نتحدث عن مبالغ تتراوح بين 210 دنانير الى 350 ديناراً لكل مجموعة في الساعة او الساعتين والتي هي مدة الدرس الخصوصي عادة!
الدروس الخصوصية بشكل عام كانت ولا تزال محط جدل ومبعث قلق على واقع التعليم في اي بلد! وفي الكويت تحديداً لم تعد الدروس الخصوصية فقط للطلبة الضعفاء في التحصيل العلمي.. وانما غدت ضرورة و«بزنس» نقرأ اعلاناته يوميا في الصحف الاعلانية وفي ملصقات الاعلان داخل المؤسسات التعليمية بما في ذلك الجامعية والعالية منها!
لقد اشارت جميع الاستفتاءات واللقاءات والتحقيقات الصحفية بهذا الشأن ان الدروس الخصوصية اصبحت تشكل عبئاً مالياً على الأسر والاهالي.. وانها قد اصبحت شراً لا بد منه.. خاصة في ظل انتشارها المخيف الذي جعل منها مؤسسات تعليمية موازية لمؤسسات التعليم الرسمية!
دخول التعليم السوق الاستهلاكي بهذا الشكل يؤكد، وبشكل قاطع، حجم الخلل في المؤسسات التعليمية بشكل عام! وينذر بعواقب وخيمة على مجمل عملية التنمية، باعتبار ان الفرد المتعلم جيداً هو اهم عناصر التنمية.. لكنه – أي التعليم ـ بقي وبكل أسف بعيداً عن البرامج والمشاريع السياسية وليس مربوطاً أبداً بالأمن القومي للدولة.. على الرغم من ان ابجديات الأمن القومي تنص على كونه مجموعة الإجراءات والأنظمة التي تكفل حماية الوطن من اخطار تهدد استقراره واستقلالية قراره وسلامة اراضيه.. وبتصوري ان التعليم يعتبر احد اهم مقومات تلك الاجراءات!
سعاد فهد المعجل
suad.almojel@gmail.com
suadalmojel@
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق