ما قدمه الإمام حسن البنا – 1949/1906 – للعالم لم يكن مجرد (جماعة) أسس تنظيمها في مدينة «الإسماعيلية» عام 1928، بل كان أكثر من ذلك وأكبر وأعمق، فقد قدم الشهيد (فكرة) استعصت على الاقتلاع من قلوب وعقول ملايين المسلمين، و(دعوة) حققت (صحوة) إسلامية في ميادين الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة.
والإبداع الحقيقي في جماعة وفكرة ودعوة هذا الرجل، هو أنه لم يأت بشيء جديد إطلاقًا، بقدر ما أنه تمثل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها)، فقد أخرج «إسلام» المسلمين من المساجد والمدارس التقليدية والأعراس والمآتم، وجعله حاضرًا بجانبها في البرلمانات والجامعات والأسواق والصالونات الأدبية ومياديين القتال أيضًا.
قد يتساءل القارئ – وهو محق – لماذا كل هذا العداء للإخوان المسلمين؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا بيان أنواع المعادين لهذه الجماعة الإسلامية:
أولاً- الأنظمة المستبدة: فتلك الأنظمة مثل (تونس) التي كانت المقر «الدائم» لوزراء الداخلية العرب، وكانت تعتبر الحجاب زيا «طائفيا» محظورا، وقامت بصرف بطاقات «ممغنطة» للمواطنين والسياح لرصد دخولهم وخروجهم لمساجد البلاد!
إن بعض التيارات مثل التجمع الدستوري التونسي، والحزب الوطني المصري، والمؤتمر الشعبي اليمني، وحزبي البعث السوري والعراقي، تعتبر الإسلام «الحي» أكبر خطر عليها، فآيات كريمة مثل (وشاورهم في الأمر) و(وأمرهم شورى بينهم) و(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، تهدد انفرادهم بالحكم وسرقتهم لمقدرات الأوطان.
ثانيًا- الدول «الاستعمارية»: سواء كنا نتحدث عن محتلين قدماء أو جدد، فهم يريدون شعوبا مخدرة العقول وخائرة القوى، لا تقاوم محتلا ولا تعدم عميلا، لذا تراهم يفرحون لإغراق شعب الصين قديمًا بالأفيون واليمن حديثًا بالقات!
أما الإسلام «الحر» فهو يقض مضاجعهم، لكونه ينعش معتنقيه بفضل الشهادة ومكانة الشهداء، ويذكرهم بأن الذي يقتل من أجل داره وماله فهو شهيد، ويحيى بينهم نماذج معاصرة مثل: الشيخ عز الدين القسام والأمير عبد القادر الجزائري والمجاهد عمر المختار والجنرال جوهر دوداييف.
ثالثًا- الزعامات «التقليدية»: سواء كانت زعامات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية، فقد تعايشت مع صور الفساد والاستبداد والجمود السابقة، وكونت مصالح مشتركة معها، وستتضرر بتغير تلك الأوضاع وتفقد مكانتها.
ولعل ما نشاهده اليوم في الشقيقة (مصر) من تساقط إعلاميين وأثرياء وقانونيين وسياسيين، بل وحتى علماء بالشريعة سخروا علمهم للحكم البائد، مثال صارخ على أن الفساد ليس شخصًا واحدًا، بقدر ما أنه منظومة كاملة مكنته من ذلك وشاركته فيه.
رابعًا- البسطاء من القوم: وأعني بهم أولئك الطيبين لدرجة السذاجة، الذين لا يريدون تغيير واقعهم خوفًا من مواجهة تحديات جديدة، ويرددون مقولات سلبية من شاكلة «من حرك بلش» و«شلك بعوار الراس»، وكأنهم بشكل أو بآخر ممن وصفهم ربنا بقوله تعالى (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون).
ختامًا: إن «الإسلام» كمنهج حياة كامل وخالد سيغلب – كما غلب دومًا – كل بدعة بشرية قاصرة، تنبع من الهوى أو العناد أو الضلال، كالشيوعية أو الرأسمالية أو الديكتاتورية، والمسلمون – وغيرهم – يتوقون – من أدرك منهم ومن لم يدرك بعد – للعيش في ظلال الشريعة الربانية، وما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وجدده المسلمون على مر العصور هو المنتصر، مهما أنفقوا وخططوا وأفتوا وافتروا واقترفوا لإيقافه، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) صدق الله العظيم، وحفظ الله الكويت وأهلها من كل مكروه.
osama.alshaheen@gmail.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق