حامد الحمود: مستقبل العلاقة العراقية – الكويتية بعد قمة بغداد (1 – 2)


لا شك أن زيارة سمو الأمير إلى بغداد لتمثيل الكويت في مؤتمر القمة العربي الذي عقد أخيراً هناك تعتبر خطوة تاريخية على مسار طويل عبّر عنه صاحب السمو بقوله: «نسعى مع الشعب العراقي لتجاوز الآلام والجراح»، وهي جملة تحمل الكثير من المعاني العميقة، بل انها تحمل رؤية تحثنا على تلمس طرق وإيجاد مسارات للارتقاء بالعلاقة بين الشعبين. فتجاوز الجراح يعتمد كثيرا على العراقيين والكويتيين على حد سواء، خصوصاً أن هذين الشعبين قد تأخرا كثيراً في تجاوز هذه الجراح. فبعد 22 سنة من الغزو الألماني لفرنسا وأغلب الدول الأوروبية شكّل الأوروبيون السوق الأوروبية المشتركة، ونحن ما زلنا في بدايات الطريق لتجاوز جراح الغزو. لكن تميز صاحب السمو من بين قادة دول مجلس التعاون بزيارة بغداد يعتبر الخطوة الأكبر في إصلاح ذات البين. فهموم الكويت نحو العراق هي غير هموم عمان نحو العراق. وبهموم هنا، أعني تأثير ما يحدث في العراق على الكويت، حيث إن حدود الكويت مع العراق تشكل ما يقارب ثلثي حدود الكويت البرية. وأقرب مدينة ذات كثافة سكانية في العراق (وهي البصرة)، أصبحت ملاصقة للحدود الكويتية، بينما أقرب مدينة سعودية ذات كثافة سكانية تبعد حوالي 300 كلم عن الحدود الكويتية. وتاريخ العلاقة العراقية ـــــ الكويتية المتوتر يفرض على متخذ القرار في الكويت، جهدا لا يحتاجه عند التفكير في علاقة الكويت مع الدول الأخرى.

ونحن في الكويت نحتاج إلى تجديد الصورة الذهنية التي نحملها للعراق بعد حوالي 22 سنة من الغزو، خصوصاً أن أغلب الكويتيين لا يعرفون عن العراق إلا أنه دولة غازية لبلدهم، والذي يرجع إلى التحليل الديموغرافي لسكان الكويت. ونتيجة للظروف الأمنية التي يمر بها العراق منذ سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 التي جعلت سفر الكويتي الى آلاسكا اسهل واكثر امانا منه من السفر الى البصرة. أما التحليل الديموغرافي فيخبرنا أن {c457ccac1452d3818271ab2011cbb9d08c0f4c36d5279f7e8d0cd5e61c92f6ca}51 من الكويتيين هم تحت 18 سنة، و{c457ccac1452d3818271ab2011cbb9d08c0f4c36d5279f7e8d0cd5e61c92f6ca}65 هم تحت 25 سنة، و{c457ccac1452d3818271ab2011cbb9d08c0f4c36d5279f7e8d0cd5e61c92f6ca}87 تحت عمر 40 سنة، مما يعني أن الكويتيين الذين كانت لهم فرصة أن يعرفوا العراق في فترة سلام هم أقل من {c457ccac1452d3818271ab2011cbb9d08c0f4c36d5279f7e8d0cd5e61c92f6ca}13. أعني بذلك الذين يعرفون العراق قبل عام 1980، وهي السنة التي بدأت فيها الحرب العراقية ـــــ الإيرانية.

ولا شك أن تجربة الغزو والاحتلال كانت قاسية على الكويتيين ولها الدور الأكبر في تشكيل الصورة الذهنية عن العراق. وكاتب هذه السطور يعرفها جيدا بحلوها ومرها. وبحلوها أقصد التآزر والمحبة اللذين جمعا الكويتيين أثناء الاحتلال، وتوحدهم بجميع انتماءاتهم الطائفية والقبلية والعائلية في مقاومة الاحتلال. حتى ان كاتب هذه السطور الذي رجع إلى الكويت في اليوم الثامن من الغزو وجد أن المحبة والتكاتف بين الكويتيين كانا أكثر ما يعوض عن إرهاب قوات الاحتلال. وكان الأمل والتفاؤل يشدان بعضنا لبعض متحولين في نفوسنا الى عزم وشكيمة. لكن تجربة الاحتلال تكون ناقصة عندما تغيب عنا الظروف السياسية التي سادت في العراق والكويت ونتج عنها الاحتلال. وقد كتبت أكثر من مرة أن غزو العراق للكويت كان نتيجة مأساوية للحرب العراقية ـــــ الإيرانية الاكثر مأساوية والتي امتدت من عام 1980 إلى 1988. فقد بدأ العراق حربه مع إيران وكان لديه فائض مالي مقداره 60 ملياراً، وكان لديه 250 ألف جندي، و2000 دبابة و120 طائرة. وانتهت الحرب بديون تزيد على 60 ملياراً، لكن كان لديه مليون جندي و6000 دبابة و400 طائرة. فمن ناحية محاسبية غير إنسانية كان العراق بقيادة الدكتاتور وبغطرسته يعمل على تسييل أصوله الثابتة بغزوه واحتلاله للكويت. وكاتب هذه السطور لم يكن وحيدا في توقع اعتداء عراقي على الكويت، لكن أن يتحول الاعتداء إلى غزو شامل ثم احتلال لسبعة أشهر كان صدمة مفاجئة للجميع، وما كان يمكن أن يحدث في عراق ديموقراطي. ليس لأن العراق الديموقرطي يتعاطف مع الكويت، ولكن لأن العراق الديموقراطي كان سيعرف أو يتوقع عواقب غزو العراق على الكويت. ولا بد أن أشير هنا إلى أن الغزو كان مفاجأة حتى لقادة في الجيش العراقي. فوزير الدفاع العراقي آنذاك عبد الجبار شنيشل ورئيس الأركان الخزرجي عرفا عن الغزو من المذياع. وقد استدعاهما صدام بعد الغزو «معتذرا» بأن ذلك حدث لأن عملية الغزو الأولى نفذها الحرس الجمهوري الذي يأتمر بإمرته مباشرة.

د. حامد الحمود

Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.