أفراح الهندال: الكلمات التي علمها النبي للأطفال

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال لي: “يا غلام هل من لبن؟”، قلت: “نعم ولكني مؤتمن”، قال: “فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟” قال فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر، قال ثم قال للضرع: “اقلص”، فقلص، قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم “علمني من هذا القول”، قال: “فمسح رأسي وقال يرحمك الله فإنك غُليم معلَّم”.
يرد الحديث بهذا النص في كتاب التربية الإسلامية للصف الرابع الابتدائي تأكيداً لدلائل النبوة وعرضاً لقصة إسلام عبدالله بن مسعود وكان عمره حينها 22 عاماً، وأعجب وهو يتصدر درساً أساسياً في علوم القرآن الكريم؛ كيف يمكن شرحه بدقة ومتعة تناسب “عقول الأطفال ومعارفهم وخبراتهم وما يحقق رغباتهم” كهدف رئيس لمناهج التربية؟ فأساس الحديث قدرة النبي (ص) على حث إدرار اللبن من ضرع شاة “لم ينز عليها الفحل”، وما يحتاجه المعلم هنا هو نقل هذه “الدهشة” والإعجاب إلى عقول الصغار، مما يحتم إيصال المعلومة بشرح المفردات وعدم تجاوزها، وكأن السيرة النبوية ينقصها ما يؤكد دلائل النبوة للأطفال إلا بهذه المعجزة وهذا النص!
وبعيداً عن تساؤلات أخرى حول هذه القصة و”مفهوم الأمانة بين الغلام الراعي والنبي (ص)”، و”ائتمان الشاة الحلوب دون غيرها”؛ والتي اعتبرت مقدمة لنتيجة هي الأهم عند ناقليها “أبو عبدالله النعالي أنا أبو الحسن بن رزقويه قالوا أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا الحسن بن عرفة ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش” كما ورد في كتاب “دلائل النبوة” للأصبهاني، ألا وهي عرض إحدى معجزات النبي (ص)؛ أتساءل هل اهتم المعلمون فعلاً بشرح المفردات ومدلولاتها، أم أنهم تجاوزوها وقوفاً عند المعجزة؟ وهل تجاوز التفاصيل في المنهج من المسوغات للمعلمين اكتفاء بالفكرة؟ أم أن محاربة تعليم الثقافة الجنسية للأطفال يستثني ما يرد في الأحاديث لتفهم كيفما اتفق لخبرة الطفل، ويكتفى بملامحها في علوم الأحياء التي تدرس فيما بعد في المراحل الدرسية المتقدمة؟
لن أعترض على تدريس القصة لأطفال يعرفون علمياً طبيعة الكائنات وسلوكياتها، ويملكون خبرة معرفية سابقة يكتفون فيما بعد ببحث معنى “نز الفحل” من المعجم، لكن الحمولة ثقيلة على أطفال يحتاجون الأولى بالعناية مما ورد في السيرة، كحرية التفكير والسؤال وضرورة العلم والتسامح مع الآخرين وقبول الآخر، أو إرجائها إلى مرحلة عمرية أكبر والاكتفاء بدروس المنهج نفسه: عن آداب دخول المسجد و”كفارة البزاق ووجوب دفن البصقة”، وآداب الخلاء وتفاصيلها، رغم أن المساجد العصرية مفروشة غالباً وآداب الخلاء والاستنجاء لن تفيدهم إلا في مواسم “التخييم” في الصحراء!
ومنعاً لعواصف الانفعالات التي قد ألاقيها من مقالي هذا، أنبه أن غايتي هي شكر المسؤولين على وضع المناهج مع التنبيه إلى أهمية الانتقاء بما يناسب خبرات الأطفال ويفيد أسلوب معيشتهم الحالي ويحفز عندهم جانب المتعة والدهشة والفضول ومتابعة البحث وترسيخ القيم المنشودة، وبأسلوب النبي (ص) الذي تعهد الأطفال بكلمات المحبة والتسامح قبل كل شيء، كما قال معلماً لابن عباس- رضي الله عنه: “يا غلام إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله”.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.