خرجت – نهار يوم امس الاول الجمعة – عبر الحدود الجنوبية الى الشقيقة السعودية متجها الى «جرية» حيث كنت بضيافة – وغداء – الصديق العزيز «أيمن بودي» في مزرعته الجميلة هناك ووسط حقول «الحنطة» الخضراء على مد البصر كنت «متسلحا» بكتاب جديد لم اجد افضل من هذه البقعة الجغرافية الهادئة لقراءته وهو بعنوان «في خيمة القذافي – رفاق العقيد يكشفون خبايا عهده» وهم «عبدالسلام جلود» الرجل الثاني في ثورة الفاتح و«المنعم الهوني» عضو مجلس قيادة الثورة السابق و«عبدالرحمن شلقم» وزير الخارجية الاسبق، و«نوري المسماري» الذراع اليمنى لديكتاتور ليبيا السابق، و«علي عبدالسلام التريكي» وزير الخارجية الاسبق ايضا، وهو صديق قديم وكان يزورنا في جريدة «الوطن» باستمرار الى درجة اننا كنا نشاهده – ونلتقي به – اكثر من مشاهدتنا ولقاءاتنا مع وزراء.. كويتيين!! صاحب الكتاب هو الزميل «غسان شربل» – رئيس تحرير جريدة «الحياة» اللندنية – وهو يملك «مخاً نظيفاً وقلماً سيالاً وقلباً صادقاً لا يعرف خصال البشر السيئة»!! اعاد لي الزميل «شربل» – في كتابه «الليبي» – ذكريات الايام السوداء التي كانت فيها حرب «المجانين» بين العراق وايران في اقصى حالاتها الدموية، وكانت – ما يسمى وقتها بحرب «الناقلات» – اشبه بحفرة من حفر جنهم اطارت غطاء فوهتها، وصارت الصواريخ الايرانية «بحر – بحر» من نوع «سيلك – وورم» الصينية الصنع تتساقط على ناقلات النفط الكويتية حتى اضطررنا لرفع الاعلام الامريكية عليها بغية منع تصدير شحناتها.. «طهران كانت وقتها تتهم العراق بانه وراء ارسال هذه الصواريخ».. وخلال تفجيرات «المقاهي» وميناء الشعيبة ومحطة الكهرباء على الدائري الخامس، التي سبقتها تفجيرات السفارة الامريكية والفرنسية.. الى آخره، طلع الرئيس السوري الراحل «حافظ الاسد» على العالم باقتراحه العجيب الذي لم تشر له الا صحافته السورية الرسمية حين صدرت قائلة على لسانه: «مستعد لارسال نصف الجيش السوري الى الكويت.. لحمايتها من أي اعتداء ايراني»!! بعد ذلك بأيام، اعلن القائم بالاعمال الليبي بسفارة بلاده في الكويت – خلال زيارة لنا في الجريدة – ما يلي: «ونحن – ايضا – في ليبيا، على استعداد لارسال قوات عسكرية ليبية الى الكويت»!! اضحكني الاقتراح الليبي – ومن قبله السوري – وكتبت مقالا حول هذا الموضوع ملخصه ان موافقة الكويت – ان تمت على امر كهذا – ستجعل من السفيرين الليبي والسوري في قوة السفير الامريكي في لندن وقوة السفير السوفييتي في.. وارسو! ثم.. يبني رئيس المخابرات السورية له منزلا في الصليبيخات ليدير من خلاله – ويحكم – الكويت، على غرار قرية «عنجر» اللبنانية التي كانت مقرا لرئيس جهاز «الامن والاستطلاع السوري»، بينما يبني السفير الليبي منزلا في السالمية ويدير من خلاله عمليات تصفية واغتيال.. «الكلاب الضالة» – وهو المصطلح الرسمي الذي يستخدمه القذافي ويطلقه على عناصر المعارضة لديه – ثم تشتعل دول الخليج – بكاملها – من مؤامرات هذين.. السفيرين!! اعترض الرقيب الحكومي التابع لوزارة الاعلام المكلف بمراقبة جريدة «الوطن» وكتابها على المقال وختمه بختم.. «ممنوع من النشر».. الى يومنا هذا!! القائم بالاعمال الليبي – في الكويت وقتها – كان اسمه «حسونة الشاويش» وصار – فيما بعد – مسؤول اللجان الشعبية عن الاعلام وهو المسمى الجماهيري لمنصب «وزير الاعلام»، وحين واجهته برأيي هذا والذي لم يوافق الرقيب على نشره – انفعل وغضب وزمجر وقال:.. «مش احسن ان السفير الليبي والسفير السوري يحمون الكويت بدل السفير الامريكي»؟! قلت له – ضاحكا – ان كان يتذكر لقطة من الفيلم المصري القديم «عنتر وعبلة» من بطولة الراحل «سراج منير» حين يختطف الامير «مفرج بن همام» الحسناء «عبلة» ويهددها – خلال حفل عشاء ضخم داخل خيمته – بأنه سيجعلها تشاهد «حبيبها العبد الاسود في صورة مرعبة وبعدها سيقطعه اربا ويرمي بجثته الممزقة الى الذئاب، فتقرر «عبلة» المداهنة والمسايرة والملاطفة معه حتى تنقذ نفسها وحبيبها فتقول لكل الحاضرين في الخيمة.. «يا بنات الحي ويا رجال مفرج بن همام، ما علي عار ولا ملام اذا سباني اليوم فارس من فرسان العرب هو الامير مفرج بن همام، له الخلف عن كل ما سلف». نظر الى عيني مباشرة «حسّونه الشاويش» – وظهرت الدهشة على وجهه وهو يسألني – «يعني شنو؟ انا ما فهمت»؟! فأوضحت له مقصدي قائلا: «يعني.. انه لا عار علينا ولا ملامة ان نعتمد على السفير الامريكي في تأمين بلدنا من اعتداءات الاشقاء المسلمين وصواريخهم الايرانية والعراقية، لان نصف دول الكرة الارضية تتعامل مع سفراء الولايات المتحدة الامريكية على اراضيها بذات المشاعر، لكن.. تصور – سعادة القائم بالاعمال الليبي – لو استبدلنا الامريكي وحولناه الى فراطة – او خردة – بسفيرين اثنين هما الليبي والسوري، هنا، سيصبح.. عار علينا ما فعلناه وملامة كبرى!! على الاقل، امام.. الشعب اللبناني الذي عانى من الجزمة العسكرية السورية و.. الشعب التشادي الذي عانى من الجزمة العسكرية.. الليبية»!! انتهيت من حديثي واذا بملامح ضحكة مكتومة على وجه القائم بالاعمال الليبي كتمها – بقوة – حتى لا يصل صوتها الى «باب العزيزية» في «طرابلس الغرب» فيرسل له القذافي قناصا يصطاده – عن بعد – باعتباره صار.. كلبا ضالا!!
٭٭٭
.. أجمل تعبير قاله «عبدالسلام جلود» في الكتاب للزميل «شربل» حين سأله هذا الاخير: «متى تغير القذافي، وهل تعتقد انه.. مريض»؟! فأجاب .. «نعم، تغير القذافي واصبح لديه جنون العظمة وحوّل النفاق نهجا واسلوب عيش، للاسف، في العالم نرى نوعا واحدا من النفاق!، ناس مرضى ونفعيون يريدون ان يعيشوا منافقين، لكن في ليبيا اصبح هناك،، نفاق تطوعي ونفاق.. بالقوة»!! ثم قال: «القذافي كان يقول لي يا عبدالسلام الليبيون اذا اعطيناهم قليلا طلبوا الكثير، ثم يشير بيده اشارة تعني انهم لن يعطيهم شيئا على الاطلاق»!! صدام حسين قالها – قبله ذات يوم – «العراقي بس تعطيه تفاحة يريدن سلة.. فواكه بعدها! احسن لا تنطيه شيء، وخله يحلم.. بالتفاحة»!! لهذا السبب، كان العراقيون يعشقون ويتلهفون ويتراكضون خلف.. الموز!!
٭٭٭
.. الى عناية مدير مرور محافظة «الخفجي» السعودية:
.. خلال تجوالي بسيارتي – ظهر الجمعة – في شوارع مدينة «الخفجي» الجميلة – تيمنا بذات المسيرة التي قطعها الرئيس السابق لمجلس الامة الكويتي «احمد السعدون» في صبيحة اليوم الذي دعاه فيه حضرة صاحب السمو الامير لاجراء المشاورات المعتادة حول تشكيل الحكومة – وفقا للشرط الدستوري – مرت بقربي سيارة قديمة من طراز شيفرولية موديل 1992 – أو 1993 – تحمل لوحات مرورية قديمة ملغاة منذ ما بعد التحرير ومكتوب عليها «الكويت – الجهراء» وهذا يعني ان سيارة لا ملف مرورياً لها تسير بحرية في مدينتكم لا يعرف لها صاحب وقد تستخدم في اعمال ارهابية لا قدر الله فيرجى البحث عنها واصطيادها على الفور! ومع خالص الشكر والتقدير!.
فؤاد الهاشم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق