هذه الايام تجتاح «تويتر» تعليقات لبعض مؤيدي جماعة المقاطعة، تدور حول الزيف الليبرالي والديموقراطي الذي يكفر بالديموقراطية عندما ينتصر الطرف الاخر. ولا اعلم كيف يبيح هؤلاء الناس لانفسهم انتقاد من يطلقون عليهم ديموقراطيين او ليبراليين «انتصارا» للطرف الاخر. فما دام هناك «آخر» فهذا يعني ان هؤلاء ليبراليين وديموقراطيين.. وان الاخر ليس كذلك.. اذا اين هي المشكلة؟
تعود معظم هذه التعليقات لشخصيات مجهولة، او احيانا شخصيات معروفة كزميلنا القدير شفيق الغبرا، الذي يعتبر من لا يعترف بنتائج الانتخابات ليبراليا مزيفا!.. وطبعا بعضهم اتخذني شخصيا مادة للتسلية في هذا الموضوع باعتباري من مؤيدي الانتخابات الاخيرة، مما يجعلني رافضا لنتائج الانتخابات السابقة. طبعا انا لم ارفض نتائج انتخابات مجلس الامة السابق، رغم انني رفضت نتائج كل انتخابات مجالس الامة، وتحديدا بعد المجلس المزور سنة 1967، وربما عبّرت وآخرون عن هذا الرفض بشكل عنيف وارهابي في سنة 1968 ايضا.
هذه الايام ايضا تتصدر الفضائيات الاجنبية قصة بطل سباق الدراجات الاميركي «لانس ارمسترونغ»، الذي سحبت نتائج فوزه السبع ــــ على ما اظن ــــ في سباقات الدراجات، باعتباره خالف شروط المسابقة، بعد اعتراض دام سنوات على فوزه. هذا مثال سطحي جدا ومبسط جدا لمعارضة او عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات. فمجالس امتنا بأكملها كلها لانس ارمسترونغ وليس بعض المرشحين فقط. فكل نتائجها، مثل الفائزين فيها، مثل لانس ارمستورنغ.. مخالفون للانتخابات وقبلها معادون للنظام الديموقراطي وللمبادئ الديموقراطية.
أنا اخترت هذا المثال السطحي والمبسط، لان شروط توافر مناخ ديموقراطي قائم على الحرية، وتوافر ناخبين ديموقراطيين متشربين الديموقراطية، ومرشحين يؤمنون بالحرية والمساواة والعدالة، يطول شرحها وعرضها. هذا بالطبع ايضا، مضافا اليه شروط توافر تكافؤ فرص بين المرشحين، فالمجاميع القبلية والطائفية التي رفضنا هيمنتها الانتخابية تتوافر لها المقومات المادية والمقرات المرخصة والكتل «البلوكات» الاجتماعية، كما تتوافر لها الهيمنة الايديولوجية عبر مناهج «التربية» وليس التعليم، وعبر سيطرتها على وسائل الاعلام الرسمية، وفوق هذا كله تتمتع المجاميع الدينية الطائفية المتخلفة بحماية قانون المطبوعات (المادة 19) ورعايته التي يحرم انتقادها او التعرض لمعتقداتها التي تروجها انتخابيا!
ليس هناك اجواء ديموقراطية حقيقية هنا، وليس هناك حرية اجتماعية على الاطلاق.. عندنا انتخابات نعم.. نزيهة.. بعض الشيء. ولكن ليس لدينا ديموقراطية.. فهذا يتطلب تكافؤ الفرص، والايمان بالتعددية، وتداول السلطة، واحترام حرية الغير، وقبل هذا كله الايمان بمبادئ الحرية والعدالة والمساواة.. واي من هذا غير متوافر لا في اجواء الانتخابات ولا قبلها او حتى بعدها.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق