كيف يرى نزلاء دار رعاية الأحداث جرائمهم؟

(ح .م): يتملكني الندم ويجتاحني البكاء كلما تذكرت أمي وأبي (هـ. ع): أنصح أولياء الأمور بعدم ترك “الموبايلات” والكمبيوترات بغرف ابنائهم المراهقين (ص.ح): الطالب الذي لا يحمل سلاحاً أبيض ينظر إليه أقرانه على انه “ليس رجلاً” (أ.س): والداي انفصلا ولم أجد حضنا دافئا سوى أصدقاء السوء.

عناوين فرعية لقصص متنوعة لمراهقين من داخل دور الرعايا استعرضوا الجرائم التي أدت بهم إلى الدار ووجهوا نصائحهم من واقع التجربة إلى أقرانهم وفي تفاصيل التقرير:

روى عدد من نزلاء دار رعاية الاحداث بدار الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قصصا من آلامهم وهم يذرفون دموع الندم على تورطهم في قضايا مختلفة تراوحت بين تعاطي المخدرات والاتجار فيها والزنا والشروع في القتل والسلب بالقوة.
واشاروا في هذا التحقيق الذي أجرته معهم “السياسة” داخل دار رعاية الاحداث الى ان اصدقاء السوء وغياب الرقابة الاسرية وحصولهم على الاموال من اهاليهم وراء جنوحهم نحو الاجرام .
ونصحوا الشباب المراهق بضرورة الابتعاد عن العنف, لافتين الى ان توفر الاسلحة البيضاء في ايديهم اكبر خطر يواجه مستقبل الشباب نظرا لان السكين او “المطواة” اصبحت الخيار الوحيد امامهم اثناء اي مشاجرة تجري بينهم.
ولفتوا الى انهم يجدون داخل دار الرعاية كل الرعاية المطلوبة والكثير من الوسائل الترفيهية والانشطة الدينية التي تقوي وازعهم الديني وتحثهم على حسن السلوك والمحافظة على قيم المجتمع واعدادهم ليكونوا ذوي نفع لبلادهم التي لم تبخل عليهم بشيء.
تاجر حشيش
في البداية يقول لنا النزيل (ح/م) البالغ من العمر 16 سنة وهو طالب بالصف الحادي عشر انه تورط في جريمة مخدرات كانت تفاصيلها انه كان متواجدا مع عدد من اصدقائه داخل سيارة أحدهم وتبين له انهم يملكون قطع “حشيش”لافتا الى انه لم يتعاط المخدرات طيلة حياته لكن تواجده مع اصدقاء السوء هو ما ورطه في تجارة وتعاطي المخدرات.
وأوضح انه لم يكن بحاجة الى المتاجرة في الممنوعات خاصة انه يحصل من والده على ثلاثة دنانير يوميا في الصباح الباكر, ناصحا الشباب المراهق بالابتعاد عن اصدقاء السوء الذين يجرون اصدقاءهم لارتكاب الجرائم بمختلف انواعها, مشيرا الى انه لا يزال في انتظار حكم القضاء.
وأوضح بأنه لم يكن يعاني من أية مشكلات اسرية على الاطلاق, حيث كان يعيش بصحبة والديه وعائلته معربا عن شعوره بالندم البالغ لتورطه في هذه الجريمة.
وسالت دموع عينيه وهو يقول: “كلما اتذكر اهلي, خاصة امي وابي يتملكني الشعور بالندم ويجتاحني البكاء, لأنهما لم يقصرا في تربيتي ولكن اصدقاء السوء هم السبب وراء ايداعي دار رعاية الاحداث.
التلبس بالزنا
اما نزيل الدار (ه¯.ع) البالغ من العمر 17 عاما والذي يدرس بالصف الثاني الثانوي فقد روي قصة ايداعه الدار, قائلا ان سبب وجودي هنا هو “الحب” حيث تعرفت على فتاة تدرس بالصف الثاني الثانوي وكنا نتحدث هاتفيا لأوقات طويلة من الليل, وتطور الأمر بيننا الى درجة انني صرت اتردد على بيتها عندما يذهب والديها الى العمل في الدوام المسائي, وذات يوم فتح والدها باب غرفتها ووجدني في حالة تلبس بالزنا معها ما دفعني الى القفز عبر النافذة والفرار هاربا موضحا ان اسرة الفتاة قامت بابلاغ الشرطة وتم ضبطي ومن ثم ايداعي الدار.
ونوه بان مشاهدة القنوات الفضائية الاباحية ومواقع الانترنت غير الاخلاقية هي السبب الرئيسي لطغيان الثورة الجنسية داخل عدد كبير من أقرانه, مشيرا الى أنه كان يشاهد تلك القنوات ومواقع الانترنت بعد ذهاب أبويه إلى النوم.
ووجه نصيحة لأولياء الامور بألا يتركوا الهواتف النقالة والكمبيوتر داخل غرف الابناء, خاصة المراهقين منهم, مؤكداً أنه يشعر بالندم والحسرة كلما جاءت اسرته لزيارته في دار الرعاية.
مشروع في قتل
النزيل (ص.ح) البالغ من العمر 18 عاماً والطالب بالصف الرابع الثانوي, روى قصته وهو يغالب الدموع, وقال: كنت إلى جوار أخي الأكبر اثناء قيادته لسيارته, وحاول أحدهم تجاوز سيارتنا على الطريق, ونسبة لأن السيارتين كانت مسرعتين, حدث احتكاك بينهما, الأمر الذي ولد خلافا نتجت عنه “هوشة” وعراك بالايدي, فأخرج بعض الشباب ممن كانوا في السيارة الاخرى سلاحاً أبيضاً (سكين) كان ينوي أحدهم أن يطعن به أخي, فما كان مني سوى الانقضاض في عليه لأخذ السكين منه وأضاف: إن انقضاضه تسبب في اصابة الشباب الآخر على صدره, لم يمت والحمدلله, وهو لايزال بالمستشفى.
وأضاف انه يشعر بالندم الشديد على تلك الحادثة التي سوف تتسبب في رسوبه الدراسي لهذا العام, ناصحاً الشباب بعدم حمل انواع الاسلحة كافة التي تنتشر بكثرة في حقائبهم المدرسية مطالباً في الوقت ذاته أولياء الأمور بأن يطلعوا دائما على حقائب اولادهم.
وذكر بأن وجود السكين او المطواة في يد الشاب يجعله يلجأ اليها في أي حالة شجار حتى لو كان بسيطا موضحا أن الطالب الذي لايحمل السلاح الابيض ينظر اليه اقرانه على أنه جبان و ضعيف وليس رجلا.
سلب بالقوة
من جهته أبدى النزيل (ا.س) البالغ من العمر 16 عاماً والطالب بالصف الرابع المتوسط, أسفة لتورطه في جريمة سلب بالقوة, وقال: ان “أصدقاء السوء كانوا وراء دخولي عالم الاجرام لافتاً الى أنه يعاني من التفكك الاسري حيث إن والده انفصل عن والدته منذ عشر سنوات, وكلا منهما تزوج ذكر أنه كان يعيش مع جدته لامه وفي أحيان آخرى مع زوجة أبيه او مع أمه وزوجها وأولادهما, مشيرا الى أنه كان يشعر بالتشتت ولذا كان يجد الملاذ الدافئ مع أصدقائه, موضحاً بأنهم أكبر منه سناً بسنوات قليلة وانهم عندما لايجدون الأموال كانوا يداهمون محلات البقالة المتواجدة في مناطق هادئة ويشهرون الاسلحة البيضاء في وجه البقال حتى يسلبوه ما لديه من أموال وكروت تعبئة وسجائر ثم يلوذون بالفرار, موضحاً بأن دورية شرطة جرت خلفهم ذات مرة عقب سماعها صراخ صاحب البقالة وكانت النتيجة أن أصبحت نزيلا في دار رعاية الاحداث.
وذكر بأنه ضحية للتفكك الاسري, مطالباً الاباء والامهات بألا يتسرعوا في لفظ الطلاق لان الاولاد هم من يدفعون الثمن.

إمام: يحبس الحدث انفرادياً إذا لم يلتزم بقوانين الدار

طرقنا مكتب الاخصائي الاجتماعي بدار رعاية الأحداث, سعيد إمام, الذي اكد تزايد تورط المراهقين في جرائم القتل والشروع فيها, في السنوات الأخيرة, فضلاً عن انتشار جرائم السطو المسلح والتحرش الجنسي, لافتا الى انه يلاحظ سلوك النزلاء على مدى 24 ساعة يومياً, ويرى أن الحدث كلما حاول أن يظهر سلوكه الايجابي ويخفي سلوكه العدواني, فإن الملاحظة الدائمة ستكشفه دائماً.
وأضاف امام بان الحدث عندما يدخل دار الرعاية يتم اطلاعه أولاً على حقوقه وواجباته فاذا لم يلتزم بذلك تتم معاقبته بمنع الزيارة عنه, مشيراً الى ان الامر اذا وصل الى درجة خطيرة يمكن ايداع الحدث في حبس انفرادي لفترة موقتة, مؤكداً أن الاخصائيين الاجتماعيين في الدار يقدمون كل جهودهم حتى لا يتأثر النزلاء الشباب ببعضهم بعضا في النواحي الاجرامية.
وبين امام ان الحدث بعدما يقضي فترة عقوبته يكون سجله خالياً من أي جرائم حتى لا يؤثر ذلك على مستقبله, أما اذا كرر الحدث ارتكاب الجرائم فهو هنا سيصل الى سن ال¯ 18 عاماً ثم يتم تحويله للسجن المركزي وبعدها ستلصق به الجريمة وتسجل, وبهذا يتحول من حدث الى مجرم حقيقي بعد تخطيه سن الأحداث.

الراشد: غياب الوازع الديني يبعد الشباب عن جادة الاخلاق

خالد الراشد
الداعية الاسلامي التابع لادارة التوعية والارشاد بدار الرعاية الاجتماعية الشيخ خالد الراشد الذي قال: ان دورنا يصب في اتجاه غرس الوازع الديني في نفوس الشباب نزلاء دار الرعاية حيث نعلمهم اصول الصلاة وحفظ القرآن الكريم ونجري لهم مسابقات دينية ونرسلهم لتأدية العمرة حتى نغرس فيهم حب العبادة, موضحا ان قراءة السيرة النبوية للاحداث في الدار تلعب يدورا كبيرا في تصحيح سلوكهم, مضيفا: ان غياب الرقابة الاسرية على الابناء تؤدي حتما الى ضياع الابناء خصوصا لمن هم في سن المراهقة في وقت تنتشر فيه المواقع الاباحية على الانترنت, مشيرا الى ان غياب الوازع الديني يلعب دورا كبيرا في انعدام القيم والاخلاق في نفوس الابناء, مطالبا الاباء والامهات بضرورة تربية اولادهم على حب القرآن الكريم ودراسة الكتب الاسلامية والذهاب الى المساجد, منوها ان اصدقاء السوء يلعبون دورا كبيرا في افساد عقول وايمان الشباب, ولذا يجب على اولياء الامور ان ينتبهوا حتى لا يقع اولادهم فريسة للاجرام دون ان يشعروا.

القوز: نزلاء دار الرعاية هم ضحايا عائلاتهم بالدرجة الأولى

/ مشاري القوز

التقت »السياسة« اثناء تواجدها في دار رعاية الأحداث بمشرف دار الملاحظة بالانابة, مشاري القوز, الذي قال: إن الكثير من الأحداث عندما يصلوا الى دار الملاحظة نجد بأن طريقة اسلوبهم فجة وغليظة دون ان يتبعوا الاسلوب المهذب الراقي, مشيراً الى انهم يتعاملون معهم بشتى الطرق من أجل اصلاح طريقة حديثهم مع الآخرين منوهاً بانهم في الدار يدركون تماماً ان هؤلاء النزلاءتهم ضحية أسرهم بالدرجة الأولى, وان أغلب الأحوال يكون أولياء الأمور هم بحاجة الى اصلاح أكثر من أطفالهم الذين تورطوا في الجرائم.
قال القوز: إن دار الملاحظة هي أول محطة للحدث بعد ايقافه من قبل المباحث مشيراً إلى ان النيابة هي التي تقوم بتحويل الحدث الى دار رعاية الاحداث, لافتا الى ان الحدث محترف الاجرام يظهر أمام النزلاء مفتخراً باجرامه بخلاف الشاب المراهق الذي تورط في جريمة ما فجأة نتيجة أصدقاء السوء, مشيراً الى ان دار الرعاية تتعامل مع كل حدث بطريقة مختلفة عن الآخر, حيث ان لكل حدث ظروفه الخاصة التي أوقعته في الجريمة, فيتم اولا قيمة الجريمة مداخل الدار فيتم أولاً تقويمه بالاسلوب المهذب, مشيراً الى ان المشرفين والاخصائيين الاجتماعيين يتعاملون مع الاحداث كإخوة صغار لهم.
ولفت القوز الى أن دار رعاية الاحداث تتلقى المراهقين الذين تورطوا في الجرائم من 9 الى 18 سنة واذا وصل لسن 18 سنة يتم تحويله الى السجن المركزي, موضحاً أن اقصى عقوبة مهما كان الجرم هي 10 سنوات للحدث.

سليمان: مؤسسات المجتمع المدني مقصرة في حماية الشباب من الانحراف

قال استاذ علم الاجتماع, د. عماد سليمان ان المجتمعات العربية ومنها الكويت, شهدت في السنوات الأخيرة, ظواهر سلبية عدة, خاصة لدى شريحة الشباب, لافتا الى أن إنتشار التكنولوجيا الحديثة بين يدي الابناء دون رقابة الآباء والامهات ساهم في تفشي الكثير من الأمراض الاجتماعية لدى النشء, موضحا بأن جرائم سطو الشباب والشروع في القتل وإزهاق الأرواح والتحرش الجنسي لم تكن منتشرة في المجتمع الكويتي سابقاً نظرا لأن رقابة الامهات والاباء كانت شديدة وواضحة.
لكن في ظل عصر العولمة والفضائيات فقد أدى هذا الامر لانتشار الموبقات بين الشباب مما يدفع بالكثير منهم نحو الاجرام مطالبا بضرورة تعاون مؤسسات المجتمع المدني مع الاسرة والمدرسة لحماية الشباب من الانحراف, مستغربا انخراط هذه المؤسسات في الاوضاع السياسية دون المساهمة في معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية.

المهيني: المدرسة تخلت عن دورها التربوي فانتشر عنف المراهقين

يرى أستاذ التربية بجامعة الكويت, د. محمد المهيني أن المناهج الدراسية يجب ان تلعب دورها في تحصين الابناء من الوقوع في الجرائم عن طريق نشر الفضيلة وتعليم الطلاب والطالبات قيم الاخلاق النبيلة وغرسها في نفوسهم حتى يشب الاطفال على الفضيلة, لافتا الى أن المدرسة عليها أن تمارس الدور التربوي بجانب الدور التعليمي حتى يكون لدينا شباب ذو ثقافة عالية وخلق حميد, مشيرا الى أن الاهتمام بالجانب التعليمي فقط دون دعم الجوانب التربوية يؤثر على سلوكيات الابناء سلبا ولذا يجب تعديل المناهج الدراسية, خاصة الدينية منها والمتعلقة باللغة العربية وآدابها, لتساهم في ثقافة الابناء خلقيا وعلمياً, لافتا الى أن جرائم الشباب التي زادت في السنوات الاخيرة كانت نتيجة طبيعية لابتعاد المدرسة عن دورها التربوي.

البارون: شجار الآباء أمام الأبناء يوجد جيلا روحه اجرامية

اوضح استاذ علم النفس في جامعة الكويت, د.خضر البارون ان الشاب المراهق يكون اكثر عرضة للاجرام من اي انسان اخر, نظرا لان المراهق تنطلق غرائزه فجأة وتظهر عليه معالم الرجولة ما يدفعه نحو العنف اذا لم يجد التقويم السليم لسلوكياته منذ الصغر.
واضاف: ان غياب الرقابة وراء عنف الابناء, لافتا الى ان شجار ونزاع الاباء والامهات امام اولادهم يوجد في انفسهم روحا اجرامية.
واشار البارون الى ضرورة معالجة سلوكيات الطفل والشاب اذا ظهرت عليه علامات العنف, موضحا ان اصلاح الشيء ليس صعبا ولكن يجب تضافر جهود جميع الجهات مثل الاسرة والمدرسة والمسجد, مشيرا الى ان هذا العصر يختلف تماما عن العصور السابقة وذلك لانتشار الوسائل التكنولوجية ولذا يجب على الاسرة تكثيف الرقابة على الاولاد في هذا العصر الخطير.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.