أثبتت دراسة علمية جديدة حول ظاهرة “القسوة” أن من يمارس سلوكيات وتصرفات قاسية وفظيعة ضمن حشود بشرية معينة يفعل ذلك عن قناعة تامة وليس بسبب سعيه الى عدم الاختلاف مع مجموعته. فقد فسرت النظرية العلمية السابقة حول ممارسة القسوة وسط حشود من الجماهير قيام أحد الأفراد بممارسة القسوة بشكل لا إنساني سعياً الى المطابقة مع ما يمليه الأشخاص ذوي المكانة في المجموعة, ولكن توصل الباحثان أليكس هاسلام وستيفن ريكر من جامعتي “كوينزلاند وسينت أندورز” الاسترالية إلى نتيجة مثيرة: من يقوم بالأعمال الفظيعة والقاسية وسط تجمعات الجماهير يفعل ذلك ليس فقط بسبب رغبته في إظهار طاعته لمن يعتبرهم قدوته, ولكنه يفعل ذلك بحماسة منقطعة النظير لأنه يعتقد أنه على حق (المصدر: يوريكا 20-11-2012).
ويقول البرفسور هاسلام أن بعض “الناس يمكن أن يرتكبوا تصرفات مروعة في أوقات معينة ليس فقط لأنهم أصبحوا لا حيلة لهم وسط الحشود الغاضبة أو أنهم أصبحوا أشخاصاً سلبيين يتلقون تعليمات من الاخرين ويرتكبون تصرفات القسوة من دون تفكير. ولكنهم يصلون الى قناعة شخصية بأن ما يمارسونه من قسوة ضد ضحاياهم صحيح ومشروع” (ترجمة بتصرف).
فعندما يشعر أحدهم بتطابق وجهات نظره وتماثل ميوله الشخصية مع مجموعة من الناس وبخاصة مع من لهم مكانة معينة وسط الحشود, فربما سيقدم هؤلاء على ارتكاب أفظع جرائم القسوة والبطش ليس فقط رغبة في عدم الاختلاف مع أعضاء المجموعة الآخرين ولكن بسبب إيمانهم أن ما يمارسونه من قسوة هي عمل مشروع ومستحق !
وبالطبع, ربما ستنفي نتائج الدراسة العلمية الجديدة حول ظواهر ممارسة القسوة والتدمير والتخريب نظرية “التغرير” وأن بعض من يشتركون في التظاهرات التخريبية “مُغرَّر بهم” من قبل البعض! فيبدو أن من يتلف الممتلكات العامة, ويتحدى سلطات الأمن في المسيرات غير المرخصة والتظاهرات الفوضوية وبخاصة إذا كان راشدا يفعل ما يفعل عن قناعة تامة بمشروعية ما يقدم عليه من طيش وتخريب متعمد إضافة إلى ذلك, ربما تثبت النتائج العلمية حول ظاهرة ممارسة القسوة والشغب أن من يشتركون في مثل هذه الأعمال هم قساة بالفعل مع سبق الإصرار وليس مُغرراً بهم, كما يظن البعض. فلعل وعسى.
*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق