تقع ضاحية سعد العبدالله (جنوب الجهراء) قرب «جار سوء» لا يأتي منه إلا كل مكروه سكراب أمغرة المنطقة تعاني من ولادة مشوهة، فلا المكان ولا الإنسان أنصفاها. فالمكان جعلها تسترخي على موقع محاصر من كل الاتجاهات. جنوبها سكراب وشمالها مقر عسكري ومحرقة ومحطة معالجة لمياه الصرف الصحي مدت انابيب تصريفها عبر المطاط لتفرغ في العراء، واخرى تقطع الشوارع الرئيسية للمنطقة وتصب ايضا في الصحراء المقابلة للمنطقة.
أما الإنسان، ونعني هنا مسؤولي الدولة في الوزارات الخدمية فقد جعلوا المنطقة التي لاتزال فتية تعيش شيخوخة مبكرة جدا بحفرياتها واكوام قمامتها ورائحة المجاري التي تزكم الأنوف والغازات السامة الخانقة، ورائحة الماء الآسن الذي شكل مستنقعات بين المنازل والسكان!
ووسط هذا وذاك تبدو المنازل التي لا تزال تحمل عبق البناء الجديد الشيء الجميل الوحيد في المنطقة بألوانها الزاهية وتصاميمها الحديثة، على الرغم من كل ما يحيط بها من إهمال ومخاطر تحملها، إضافة إلى ما تخبئه «عشش» السكراب، أعمدة الضغط العالي للكهرباء حين تتراقص اسلاكها فوق المنازل الملاصقة لها لتشكل خطرا وهاجسا مؤرقا لقاطنيها.
القادم إلى الضاحية، التي لا تهدأ أبدا، تستقبله روائح تزكم الانوف تنشرها انابيب الصرف الصحي تارة والسكراب والمحرقة تارة أخرى، عندما ينفثان غازات سامة منبعثة نتيجة حرق الاطارات او النفايات، الامر الذي جعل عددا كبيرا من اهالي المنطقة ـ وفق ما صرحوا به لـ «الراي» ـ انهم باتوا زبائن معروفين جدا لدى الصيدليات والمستشفيات الخاصة لمعالجة «الربو» وضيق التنفس بسبب الملوثات.
معاينة على الواقع
مواطنون طلبوا منا معاينة الوضع على الارض فتواجدنا عند الساعة الحادية عشرة ليلا امام احد المنازل التي تطل مباشرة على سكراب امغرة ولا يفصله عنه سوى خطوات قليلة، فبدا المنظر مخيفا جعلنا نتساءل أي قلبٍ يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحب المنزل ساعة واحدة، حين ينظر الى السكراب حيث تعشش «البيوت الخشبية» المنخفضة الداكنة، وترقد أمامها أكوام الحديد المهملة، وتخفي تحت سقوفها الخشبية أكواما مكدسة من اللحوم البشرية، هي في جلها من العمالة السائبة، يزيد في الشعور الكبير بالخوف عند منتصف الليل نباح الكلاب الضالة التي لا تهدأ وصلتها إلا مع خيوط الفجر الأولى لتركن إلى الصمت على أمل أن يتجدد نباحها مع الليل المقبل! لتبقى المنطقة أسيرة وضع لا يستطيع أحد من أهل المنطقة فيه أن يتجرأ ليخرج وحيدا يمارس الرياضة او الجري بين تلك الدهاليز المقابلة لمنازلهم، وإلى جانب السكراب الذي يعتبر الملاذ الآمن لمخالفي الاقامة والخارجين على القانون.
واشتكى سكان الضاحية إضافة إلى كل ذلك من الزحمة الشديدة جدا التي ترجع في الاساس الى قلة المداخل والمخارج نتيجة سوء التنسيق بين وزارات الدولة لتسليم الشوارع، ولك أن تتصور الوضع في الصباح لحظة خروج الناس إلى وظائفها وكيف تكون الزحمة خانقة لدرجة ان تقف اكثر من ساعة داخل المنطقة، خصوصا وقت الامطار حين تغرق بعض الدوارات وهنا تحديدا الكارثة.
وشدد الاهالي في مناشداتهم على ضرورة توفير وزارة الداخلية دوريات امن ونقاط تفتيش ثابتة، خصوصا جهة السكراب في الليل، مؤكدين أنهم قدموا بلاغات كثيرة بسبب السرقات التي يتعرضون لها بشكل شبه يومي، مشيرين الى الكم الكبير من البلاغات التي قدمها اهالي المنطقة جراء تعرضهم للسرقة، هذا عدا تحويل الشباب المستهتر مواقف المدارس والساحات الى حلبة للتقحيص والاستعراض دون حسيب ولا رقيب ما يسبب ازعاجا وخطرا يهددان الشباب.
ضيق ولا متنفس!
واستغرب الاهالي من عدم وجود متنفس واحد داخل المنطقة فلا حدائق عامة ولا ملاهي للاطفال، رغم ان المنطقة كبيرة جدا وعدد سكانها يتطلب استحداث حديقة عامة كبيرة، اضافة الى تشجير المداخل والمخارج والتي ايضا تساهم في الحد من انبعاث الغازات السامة، فالاشجار تحمي وتعطي المنطقة رونقا جميلا يليق بها، اضافة الى اهمية ازالة سكراب امغرة من مكانه الملاصق للمنازل، حفاظا على حرمة وامن الاهالي لانتشار الكم الهائل من العزاب العاملين بالسكراب، ومبيتهم هناك داعين المسؤولين الى الوفاء بوعودهم التي قطعوها بازالة السكراب.
وذكر الاهالي ان المعاناة تزداد خلال الشتاء مع هطول الامطار، حيث يترددون في الخروج والسير قرب الدوارات في المنطقة كونها تغرق في «شبر» ماء مؤكدين انه وخلال الفترة الماضية عند هطول المطر اتلفت بعض المركبات وغرقت داخل الدوار، وهذا يرجع الى خلل في تصريف مياه الامطار.
وكان من اللافت جدا لدى تجولنا في المنطقة انتشار عمال الصيانة بين الشوارع من الذين يعملون لحسابهم الخاص مشكلين مجاميع «بسياكل» مجهزة بكافة قطع الغيار والصيانة للمنازل.
وهناك مدارس تطل مباشرة على السكراب، اذ يقوم بعض الطلبة بالتسلل من المدرسة وقضاء الوقت بين ركام الحديد المتناثر، كذلك بعض الحضانات التي تفتح على حفريات عميقة وجبال من النفايات والرمال.
رمال تغلق الشوارع
اكوام من الرمال تغلق الشوارع الجانبية للمنازل في المنطقة مما يتسبب بحوادث كبيرة، فهي تحتاج الى ازالة اسبوعية لانها تتراكم بفعل الطبيعة كونها مفتوحة على الصحراء.
شوارع مظلمة
بعض الشوارع في الليل تغرق في ظلام دامس لعدم وجود اعمدة انارة، ما يشكل مصدر رعب للاطفال والاهالي من السير فيها، حيث يضطرون للخروج الى شوارع بها انارة وهذا الاختيارالانسب والآمن لهم.
ضيوف «الظلام»
حين يدخل المساء يقوم معظم الاهالي الذين يسكنون البيوت المطلة على سكراب امغرة باغلاق منازلهم باقفال حديد تجنبا للسرقات المتكررة من قبل ضيوف الظلام، الذين يسرقون عبوات الغاز والحديد والشبابيك والسيارات وكل شيء قابل للنقل، فهم لا يطبقون مقولة «حمل ما خف وزنه وغلا ثمنه» بل يحملون كل ما زاد وزنه لانه يعتبر غنيمة ثمينة كونهم يسرقون طوال الليل فلا مراقبة امنية تردعهم، حتى أن هؤلاء الضيوف اعتاد عليهم الاهالي.
المصدر “الراي”
قم بكتابة اول تعليق