وجود المؤسسة الاجتماعية المدنية أو ما اصطلح على تسميته بـ «مؤسسات المجتمع المدني» يوازي في أهميته ـ إن لم يفق ـ وجود حكومة ومجلس تشريعي.
ويكفي التبصر ـ قبل التبحر ـ في تاريخ نشوء المجتمعات الإنسانية، لنكتشف هذه الحقيقة الدالة على تفوق مؤسسات المجتمع المدني وضرورة وجودها، بأكثر من أهمية السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلا عن أسبقيتها في تنظيم حياة الناس وسن قوانين للمجتمع وللأفراد قبل نشوء السلطة الحاكمة أو السلطة التشريعية، وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة العمل في ضوء هذه الحقيقة.
والخلل الموجود في مجتمعنا، والذي يتمثل في جور السلطتين التشريعية والتنفيذية على حقوق المجتمع وسلب حرية الناس وإقامة محاكم لتفتيش الضمائر، سببه غياب السلطة الأقوى والأهم وهي سلطة المجتمع المدني الذي لا يقيم له أحد اعتبارا ويلقى الإهانة والاحتقار من قبل الحكومة ومجلس الأمة.
وبقاء الحال على ما هو عليه سيقود البلاد إلى مزيد من التردي وسيزداد جور السلطتين التشريعية والتنفيذية، وسيتحول الناس في الكويت من كويتيين إلى أشباه أصنام تأكل وتشرب، ولكنها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم!
ولو جوّزنا نظرية المؤامرة ـ وهي جائزة في حالتنا هذه ـ فإن معالم تلك المؤامرة واضحة وظاهرة للعيان وتتمثل في كسر شكيمة الكويتيين وإخراسهم وإذلالهم وإخراجهم من دائرة الفعل الإيجابي والبنّاء إلى دائرة التلقي والصمت والموات الحسي، والحبكة تقتضي أن يقوم بهذا الدور مجلس تشريعي «منتخب» يناصب الحكومة العداء الظاهري والخصومة اللفظية، بينما هو في الحقيقة صناعة حكومية خالصة تم إخراجها بشكل جيد، وقصد الحكومة من وراء ذلك ضرب الشعب بالشعب، وهي تقوم بدور المتفرج والبريء، بل ومن يحاول فض الخناقة وتليين المفاصل، وأدواتها في ذلك الاتيان بديكة من كل الجماعات والمكونات الاجتماعية لتقوم بمناقراتها وإخراج مكنوناتها الفئوية وبث الفتنة والفرقة بين الناس وانقسام المجتمع إلى مكونات فئوية مع تغييب مفهوم المواطنة لدى كل فئة من فئات المجتمع.
وهنا تتأكد ضرورة وجود سلطة المجتمع المدني القادر على سحب البساط من الحكومة ومجلسها التشريعي «المنتخب» وتفويت الفرصة عليهما في تفتيت المجتمع وزرع الكراهية بين ناسه!
katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق