
اعتقد انه اذا كان ثمة مشكلة حقيقية حول ميل البعض القليل في بيئتنا المحلية الكويتية لمحاولة تأجيج الخطابات التفريقية بين المواطنين وبين مجتمعهم الوطني فهي تكمن في محاولة احياء طرق تفكير ماضوية لا تتوافق مع ما يحدث في عالمنا المعاصر من تقدم مدني وحضاري. فما يجري فعلا في جانب معين من بيئتنا المحلية (الخطابات التأجيجية) هو رفض البعض الانخراط الكامل في مجتمعنا المدني. فمن يحاول قدر استطاعته استرجاع ميول لا مدنية, قبلية او طائفية, لا تتفق اصلا مع انجازاتنا المدنية التاريخية ككويتيين ولا تتناسب مع هويتنا الوطنية المتوحدة, هو من لديه مشكلة فعلية مع استحقاقات المجتمع المدني وهو من يعاني حالة انفصام واضحة. بل اعتقد ان من يعاني من حالة الانفصام الفكري والسياسي هم من يرفضون قبول كامل مسؤوليات وواجبات المواطنة الهادفة والعصرية, والتي يتوجبها قبول الهوية المدنية والوطنية ويحاولون استبدالها بأيقونات ماضوية تتعارض بشدة وبشكل صارخ مع مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص في المجتمع المدني المعاصر.
حالة الانفصام التي يتحدث عنها البعض في وصفهم ما يتخيلون انه يجري في محيطنا الخليجي من حراك ديماغوجي هي بالفعل حالة انفصام متناقضة العوارض. ولكنها تخص اشخاصا بعينهم وليس مجتمعاتنا الخليجية بشكل عام, حيث تتصف شعارات وتصرفات البعض القليل بالشخصانية والانانية ومحاولة الغاء الاخر المختلف من يعيش في مجتمع مدني يستند اصلا على المساواة. فالرفض الشديد لاولئك الاشخاص للاعتراف بالواقع المحلي الديمقراطي وربما تململهم من الاعتناق الكامل للهوية المدنية والوطنية, يشير الى حالة انفصام مزمنة. فكيف بمن يبدو يرغب فقط في السطوة الفكرية على المواطنين الاخرين, ولا يرى سوى نفسه كممثل وحيد ومزعوم لارادتهم الوطنية الا يستمر في تشويه الوقائع المحلية حتى تتواءم غصبا مع تفسيراته الشخصانية الضيقة?
حالة الانفصام التي يشير اليها البعض تتعلق فقط في ترسخ طرق تفكير ماضوية عند بعض من تأبطوا شعارات الاصلاح الديمقراطي, بينما تتناقض تصرفاتهم وسلوكياتهم وخطاباتهم وافعالهم التفريقية مع كل ما يحمله المجتمع المدني والوطني من معاني التآلف والتعاضد والحفاظ على السلم الاجتماعي. مجتمعاتنا الخليجية ومجتمعنا الكويتي خصوصا حققت لمواطنيها بمختلف اعراقهم ودياناتهم ومذاهبهم وقبائلهم حياة انسانية آمنة اجتماعيا واقتصاديا, ولا اعتقد ان ثمة بدائل ناجحة عن الاعتناق الكامل للهوية الوطنية والمدنية في هذه المجتمعات الخليجية المتماسكة. والله المستعان.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق