انور النوري: عطونا اللي نبي وإلا

التظاهرات وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي، ووسيلة من وسائل المطالبة بحقوق معينة. وفي جميع البلدان الديموقراطية يسمح بقيام التظاهرات للاحتجاج والمطالبة بحقوق معينة. ولكن في جميع هذه البلدان هناك قوانين تنظم هذا الامر، فالتظاهرات، وان كانت حقا للمواطن، الا انها مقيدة بعدة امور تنظيمية حتى لا تتحول إلى أداة تخريبية في يد بعض من لا يريد الخير.

وكلنا يعرف ان بلدا مثل بريطانيا، وهي من أقدم الديموقراطيات في العالم، اذا ما تجاوز المتظاهرون حدود ما يسمح به القانون، فإن الشرطة لا تتورع عن استخدام أي شيء، بما فيه استخدام العصي والهراوات وخراطيم المياه والرصاص المطاطي، في تمزيق الخارجين عن التنظيم.

وفي الكويت، ولله الحمد، حرية التعبير مكفولة، بما فيها التظاهرات المسموح بها وفقا للقانون. ولكن الدولة مسؤولة عن حفظ النظام، وعدم تسبب هذه التظاهرات في ازعاج الآخرين.

ومن المفهوم ان الشرطة والمسؤولين عن التنظيم بذلوا قصارى جهدهم في ضبط النفس، وعدم استخدام العنف، الا عند الضرورة القصوى.

الآن نتساءل: ما المواضيع والقضايا التي يجمع عليها المتظاهرون ويطالبون بها؟ حيث نسمع مرة انها احتجاج على تعديل قانون الانتخابات، وان هذا التعديل ليس ضرورة، ولا يندرج تحت بند مرسوم الضرورة.

وهناك من يقول ان هناك سببا آخر، وهو المطالبة بضرورة تشكيل حكومة شعبية، بمعنى ان يرأس مجلس الوزراء مواطن من غير ذرية مبارك أو عائلة الصباح.

وقراءة بسيطة لدستور دولة الكويت، نجد انه اناط بسمو الامير وحده فقط اختيار رئيس مجلس الوزراء (بعد تشاورات بروتوكولية مع رئيس مجلس الأمة الحالي، ورؤساء مجالس الامة السابقين). وفي الوقت نفسه، اناط بمجلس الامة محاسبة الوزير، وطرح الثقة فيه مع اعتباره مستقيلا، إذا لم يحصل على ثقة المجلس.

ولننتظر قليلا حتى ننشئ احزابا سياسية تتضح فيها بعد الانتخابات اغلبية برلمانية صحيحة، لها برنامج تنتخب على اساسه، وحتى يتاح للامير فرصة اختيار المناسب لرئيس الوزراء.

ثم من قال ان التغيير وتعيين رئيس وزراء شعبي افضل من تعيين رئيس وزراء شيخ، بل ان تعيين رئيس وزراء شعبي في الوقت الحالي سيثير مسألة «لماذا فلان وليس علان»؟ كما ان الانتظار علمنا الكثير، فقد كنا نعتقد انه من المستحيل ان وزير المالية لا يكون الا شيخاً، والآن وزير المالية منصب يتولاه الجميع.

ويقال إن هذه التظاهرات ضد الفساد المستشري في الدولة، وهذا الموضوع يطول الحديث فيه، ولكن ارجو ألا يعطي الانطباع بان من يتظاهر هو ضد الفساد، ومن يختلف معهم هو مع الفساد، وهذا هو قمة الفساد.

فالكويت ممتلئة بالشرفاء المخلصين الذين ادوا ويؤدون واجباتهم بكل اخلاص وتفان. والفاسدون هم الذين يحبون ان تشيع الفاحشة، وان يصبح الكل فاسدا. كما ان القضايا التي تثار فيها رائحة الفساد تعالجها الجهات المختصة لاتخاذ ما يلزم.

ويبقى السؤال الاخير، وهو: ماذا يريد المتظاهرون بالضبط، وما المطالب التي يطالبون بها، ومن هو المتحدث الرسمي باسمهم؟ ولكن هذا لا يبرر، حتى وإن تم، التظاهرات اليومية أو الليلية.

اما الكلمات الحماسية واستخدامها في غير مواقعها مثل المحافظة على العزة والكرامة، والاهانات لمكانة مؤسسات الدولة ورجالاتها، فتنعكس على الكويت بشكل سلبي.

واخيراً، رسالة موجهة الى الاخوة الذين يقودون ويحثون اناسا على التظاهر وكسر هيبة الدولة والقانون والدفع وتشجيع الروح التصادمية، ارجو منهم ان يعيدوا النظر في هذا الموضوع. ويا اخوان ترى الكويت لنا كلنا، غنينا وفقيرنا، ومن ينتمي الى اصول قبلية او شعبية، سنياً كان أو شيعياً، ليبرالياً أو محافظاً. فالكويتيون سواء، افضلهم من خدم بلده بإخلاص وتفان. وليشكل الدستور ومؤسساته مرجعية لنا في حسم خلافاتنا، وليكن سمو الامير مرجعية لا جدال فيها.. عنده تحسم الامور.

اللهم اهدنا سواء السبيل وهيئ لنا من امرنا رشدا.

أنور عبد الله النوري
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.