عبدالمحسن جمعة: حكومة تصريف الأعمال في بلد الترانزيت


بيان اجتماع مجلس الوزراء الاثنين الماضي شكّل لي ولكثيرين من متابعي الشأن العام صدمة حقيقية، لما احتواه من مواضيع بعيدة عما شهده البلد من حدث ضخم بحجم رفض البرلمان قبل أيام قانون الخطة السنوية للتنمية، التي تمثل العنوان الرئيس لعمل الحكومة ومنهج أدائها في المرحلة المقبلة، بما يلبي حاجة الشعب الذي يعلق أعظم آماله على تلك الخطة، وبدلاً من أن يكون لمجلس الوزراء اجتماعات متتالية حتى معالجة هذه القضية الكبيرة وصياغة بيانات تؤكد جدية الحكومة في تنفيذ خطة التنمية، قفز ليعدل قوانين الرياضة ومواضيع فرعية أخرى تؤكد أننا مازلنا في الأداء الحكومي على “طمام المرحوم”، وهو ما يجعل حكومتنا أيضاً أشبه ما تكون بحكومات تصريف العاجل من الأعمال.
وكما كان رد فعل الحكومة ضعيفاً على إسقاط خطتها وتشكيك النواب في قدرتها على إنجازها، كان أيضاً رد فعلها على كشف النائب محمد الجويهل وثائق سفر أجنبية لابن نائب رئيس مجلس الأمة خالد السلطان لامبالياً ومتجاهلاً ولم يناسب حجم الحدث، الذي يستوجب أن تؤكد الحكومة في بيان على مستوى مجلس الوزراء جديتها في تطبيق قانون الجنسية، وتطالب كل من لديه معلومات موثقة بأن يتقدم بها إلى الجهات المختصة لأهمية هذا الموضوع، وتعد قضية ازدواجية الجنسية قضية شديدة الحساسية والخطورة في بلد صغير مثل الكويت، فالتجارب السلبية للدول الصغيرة التي تتفشى فيها الازدواجية مريرة، لأنها تحول الدولة الصغيرة إلى محطة ترانزيت، يتآكل فيها مع الوقت حس المسؤولية الوطنية والدفاع عن الوطن لدى قطاع واسع من شعبها لوجود البديل لدى فئة كبيرة داخلها، بعكس الدول الكبيرة التي لا تتأثر بازدواجية الجنسية لضخامة عدد سكانها، فوجود بضعة آلاف من مزدوجي الجنسية في بلد تعداده 60 أو 80 مليوناً لا يعني شيئاً مؤثراً على أمنها الوطني.
المعلومة التي تتردد عن وجود أكثر من 200 ألف مواطن يحملون جنسيات أخرى أو وثائق سفر أجنبية، بما يعادل تقريباً 20 في المئة من الشعب الكويتي، مقلقة وستكون لها تداعيات خطيرة على الديرة، وربما هو أحد أسباب ظاهرة اللامبالاة والتخريب التي نشهدها من البعض في البلد، ومحاولات الحصول على أكبر المنافع المادية من الكويت وفي أسرع وقت ممكن، وهي الممارسات التي ستعزز توصيف الكويت بـ”بلد الترانزيت”، ولذلك فإن اعتبار البعض قضية ازدواجية الجنسية أنها قضية النائب محمد الجويهل بمفرده خطأ فادح، لأنها قضية وطن ربما استخدمها الجويهل انتخابياً، ولكنها تظل قضية وطنية بامتياز، ويظل الجويهل عضو مجلس نيابي انتُخب من الآلاف بشكل شرعي، ولا يجوز للحكومة أن تتجاهل القضية بسبب رأيها أو تصنيفها لمن يثيرها.
ممارسات مجلس الوزراء وتجربة عمل الحكومة الحالية، وبعد مرور مئة يوم تقريباً على تنصيبها، تؤكد جميعها أنها حكومة -حتى الآن- لا تلبي طموحات البلد، بل إنها لا تجيد أن تلعب الحد الأدنى من الموقف الدفاعي في ظل الأوضاع السياسية المضطربة الحالية، التي تتطلب حنكة وحرفية سياسية عالية للخروج منها بسلام، ولكن يبدو أن أقصى ما تسعى إليه الحكومة هو كسرها الرقم القياسي لبقاء الحكومات السابقة في السنوات الست الماضية، فكيف لحكومة يدمغها البرلمان بأنها لن تنجز ولا تستطيع تطبيق خطة تنموية ويسقط خطتها، عدم إعلان حالة الطوارئ للرد والدفاع عن نفسها في سلسلة بيانات حكومية لا في بيان واحد، وإيجاد خطة بديلة خلال أيام لعرضها للتصويت مرة أخرى، وكيف لحكومة يفترض أن تكون سماتها الإصلاح ومحاربة الفساد بعد المرحلة السابقة التي مررنا بها، لا تنتفض وتشكل لجان التحقيق بعد تقديم وثائق حول مخالفات تخص نواباً في مؤسسات ووزارات حكومية، كما حدث للنائبين خالد السلطان ووليد الطبطبائي في ما يخص قانون الجنسية والمؤسسة العامة للرعاية السكنية، ولنراجع مثلاً كيف كان تصرف الحكومة ومجلس العموم البريطانيين تجاه مخالفات وزراء ونواب خلال الأشهر القليلة الماضية.
وضع حكومتنا مخيب للآمال، ونهج الحكومة الحالية في التعامل مع الشأن العام والأغلبية البرلمانية المندفعة لا يبشر بالخير، وينبئ بانتكاسة وطنية كبيرة، إن لم تراجع أداءها وترجع إلى الساحة السياسية بأداء شجاع يحمي الدولة من فكر متطرف، وأداء نيابي يهدد استقرار البلد، دون أن يكون هاجسها الوحيد هو إرضاء الأغلبية بأي ثمن لتتمكن من البقاء.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.