إذا جرحت إنساناً وطال صمته، فتأكد أنه يعاقبك عقابا أقسى من عقاب الكلام.
يتخيّل كثير من الناس أن الرد والتجريح والصوت العالي، والصراخ على أي خطأ يقترفه إنسان آخر بحقه سيؤتي ثمره، وأنه بذلك يرد بقسوة تماثل حجم التجريح الذي طاله منه.. وهو أيضا يتخيّل أن أي خطأ لا يتم الرد عليه إلا بخطأ مثله، من باب رد الصاع صاعين، فإذا قال بحقي كلمة أرد عليه بكلمتين، وإذا أهانني مرة، أرد إهانته إهانتين.
قلة منا للأسف تدرك تأثير الصمت المبنيّ على القوة والثقة، الصمت الذي يعرف الطرف الآخر أنه أبعد ما يكون عن دلالة الضعف والخنوع، فكثير من الصمت يعني العلو والسمو.. والارتفاع عاليا عن تفاهة الردود والقيل والقال.
إذا لم يدرك الإنسان أن ما خرج من لسانه تجريح، فهو لا يستحق أبدا عناء كلمة واحدة، بل إنه سيكون حينها أقل بكثير من أن يعمل له حساب أو يرد عليه، فحينها يكون الصمت هو القاتل البطيء، وهو العقاب الذي يفوق في قسوته وحدته وتأثيره كل كلمات ومصطلحات وردود الكلام.
غالبا ما يلجأ الإنسان إلى التجريح إذا كان مفلسا ولا يملك من الحجة أدناها، ومن ثم فهو يجد نفسه في كلمات التجريح التي تعبر عن مكنونات نفسه والسموم التي ينفثها في وجوه الآخرين، ما هي إلا أبخرة متصاعدة من غليان كل الأمراض النفسية التي تصول وتجول داخله، فلا تجد إلا لسانه متنفسا.
هذا النوع من الناس لا يستحق من الكبار والعظماء إلا الصمت، لأنهم أكبر بكثير من حالة المرض التي يعيشها هذا الإنسان كل لحظة في حياته التي لا يجد إلا بالكلمات الجارحة والقاسية وسيلة لإثبات ذاته المريضة.
أن أرد على خطأ، أو أفنّد وجهة نظر، أو أرد على ظلم، أو أواجه عدو شيء، وأن أرد على تجريح شيء آخر، فالتجريح هو استخفاف بالآخرين وتحقير لهم، وغالبا ما يلجأ إلى هذا الأسلوب من يحاول جاهدا وبمشقة أن يقول للآخرين: أنا لست أقل منكم، ولكن بأسلوب وضيع ومرفوض ومستهجن، إلى أن يصل إلى التجريح..
والصمت غالبا ما يكون سلوك قوة وقيمة، وفي الوقت نفسه عقابا شديدا.
إقبال الأحمد
iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق