خليل حيدر: مصارف إسلامية.. بلا فقهاء

هل يدير الليبيون اقتصادهم بنفس الغموض والتسرع الذي يديرون به بعض جوانب سياستهم؟ وهل يعقل لبلد تحرر للتو بفضل الجهد الدولي وتدخل طيران الناتو وصواريخه ان يكون أول تصريحات مسؤوليه بعد اسقاط القذافي وحش طرابلس، يتعلق بتسهيل تعدد الزوجات وإلغاء فوائد البنوك باعتبارها «ربا»؟
ثمة حملة في الاوساط الاسلامية السياسية لتدمير النظام المالي والمصرفي في العالمين العربي والاسلامي، لتأسيس ونشر مايسمونه بـ «المصرفية الاسلامية».
مصارف الكويت «الاسلامية» رأس الحربة في هذا الهجوم الكاسح فيما يبدو. وهناك دعوة قوية لاسلمة بنوك الكويت كلها، «لكن مع فترة انتقالية بسيطة لتهيئة الاجواء»، كما يقول استاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الكويت، د. محمد المطيران: الكويت، يضيف د. المطيران، «مهيأة للانتقال بالفعل بشكل كامل الى الاقتصاد الاسلامي، فنحن لدينا قوانين جيدة ومصارفنا نضجت واصبحت ذات خبرة.. لكن لابد من تحديد فترة انتقالية حتى لا يظلم احد». (الوطن، 2013/1/25).
«مشاريع بقوانين عديدة تم تقديمها لمجلس الامة لالغاء الفائدة»، يقول د. عبدالحميد البعلي، أحد مستشاري اللجنة العليا لاستكمال تطبيق الشريعة وأحد أساتذة القانون: لكن البنك المركزي الكويتي، يضيف د. البعلي، «قال ان هذه مسألة دقيقة جداً وحساسة لارتباطها بكل مفاصل النظام الاقتصادي داخلياً وخارجياً، فلا يوجد اقتصاد في أي مكان بالعالم ينكفئ على نفسه ولا يرتبط بالاقتصاد العالمي بشكل او بآخر».
الدكتور البعلي يبدي شكوكه في «استعداد البيئة الاقتصادية الليبية لتطبيق هذا القانون». اما د. المطيران فيثير الانتباه الى مشكلة اخرى معروفة، فهو يحدد مشكلة المصارف الاسلامية «في ان هناك من يسعى الى استغلالها للربح بتطويع الفقه الاسلامي لهواه» ويضيف ان «دخول بعض العناصر برؤوس اموال الى هذا المجال بهدف جني الارباح الطائلة، دون التقيد بالامور الاسلامية الاخرى كالاخلاق ومراعاة احوال الفقراء والمحتاجين اساء الى هذه التجربة، لكنهم قلة، وينبغي التخلص منهم قبل تعميم التجربة».
هؤلاء، لسوء حظ د. المطيران وحظنا وحظ الاسلاميين، ليسوا قلة بل كثرة! ويقول وزير الثقافة والمجتمع المدني في الحكومة الليبية الانتقالية السابقة، عبدالرحمن هابيل محذراً، من ان «الدافع التجاري، وان امتزج بعاطفة دينية، يهدد بدفع المصارف الاسلامية الى التشبه بالمصارف التقليدية».
ويضيف في مقال بجريدة الحياة. 2013/2/8، «ان الاقتصار على الدافعين السياسي والتجاري هو الذي اوقع مصارف اسلامية في ازمة ادّت بها، وان نجحت تجارياً، الى عدم نجاحها في اداء رسالتها، والى خيبة آمال كانت معقودة عليها، مادام الناظر اليها لا يرى فارقاً كبيراً بينها وبين المصارف التجارية التقليدية في التربح من القنوات الاستهلاكية والعزوف عن تشجيع الاستثمارات ذات الجدوى الانتاجية. بل ان مصارف اسلامية اصبحت اقل شفافية من المصارف التقليدية». اخطر الحلول التي تتبناها «المصارف الاسلامية»، في رأي الوزير هابيل، «التحايل على مبادئ شرعية»!!
يقول شارحاً هذه النقطة: «توجد في تعاملات كثير من المصارف الاسلامية بعض الحالات من المخارج الشرعية المقبولة التي تستخدم وسائل مشروعة لتحقيق اهداف مشروعة، مثل المرابحة البسيطة والاستصناع والاجارة البسيطة. لكن هذه الحالات لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً من حجم التمويلات الاسلامية ولا تقوى بها المصارف الاسلامية على منافسة المصارف التقليدية. ولن تقوى المصارف الاسلامية على منافسة المصارف التقليدية اذا هي كفت عن التمويلات النقدية عبر المرابحات والاجارات التحايلية وفعّلت فقه المضاربة».
ويقول هابيل ان المصارف الاسلامية في مأزق: «فهي اما ان تلجأ الى الحيلة وتخون رسالتها الشرعية والاخلاقية او تنبذ الحيلة فتتعرض لمنافسة شرسة من المصارف والمنتجات التقليدية».
بيد «المصارف الاسلامية» اليوم مئات المليارات من الدولارات والدنانير واليورو، فهل تقود مسيرة انتاجية مثمرة لتحويل اقتصاديات العالمين العربي والاسلامي مثلاً؟
كلا بالطبع، فما أبعد هذه المصارف عن مثل هذه الاهداف. وعلى الرغم من استنفادها كل «الحيل الشرعية» في بناء هذه «المصرفية الاسلامية». الا ان ابرز مشاكلها هو في مجال تطويع «الأحكام الشرعية».
يقول «يلديراي يلد يريم»، رئيس قسم التمويل في جامعة سيراكيوز الامريكية في ندوة اقتصادية عقدت أخيراً بالكويت، ان معظم البنوك الاسلامية «بنوك تجزئة تقدم خدماتها لعملاء اعتباريين وانه لا توجد مصارف اسلامية استثمارية تستطيع ان تواجه البنوك الاستثمارية التقليدية».
وشكّك د. يلديريم في شرعية توجهات بعض هذه البنوك، حيث إن البنوك الإسلامية ما زالت تعاني نقصاً في علماء الشريعة المتخصصين بالاقتصاد والتمويل الاسلامي، وبالتالي اصبح من الصعب التحقق من تطابق بعض المنتجات المالية التي تقدمها تلك البنوك مع الشريعة الاسلامية» (القبس. 2013/2/8).
واشار الى ان هناك عقبة اخرى تواجه البنوك الاسلامية وهي عدم توحيد القوانين التنظيمية في مابينها، حيث ان بعض المنتجات التي تكون مشروعة في بنك اسلامي قد تكون غير مشروعة في بنك آخر، نتيجة لتعمق البنك الاول في تطوير منتجاته وايجاد المخارج الشرعية لها في حين لا يتوافر لدى الآخر هذا العامل».
ومن كانت لديه حيلة.. فليحتل!.

خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.