يعقوب الغنيم: فقيد الكتاب

فقدت منذ بضعة أيام صديقاً عزيزاً، بل أخا قلما يجود الدهر بمثله. فقد توفي إلى رحمة الله الأستاذ الفاضل عبدالعزيز علي حسين التمار، وكانت وفاته مفاجأة من المفاجآت المؤلمة المحزنة.
لي صلة بالأخ عبدالعزيز منذ مدة طويلة فقد كنا معا منذ خمسينيات القرن الماضي، ثم التقيت به في القاهرة عندما التحق بكلية دار العلوم هناك، ثم تخرج فيها وعاد إلى الوطن ليعمل في وزارة التربية. استطيع أن أشهد شهادة الحق بأنه كان مثالا للأخلاق العالية، وكان محبوبا من كافة الزملاء، وأشهد أنه لم يؤذ أحدا بكلمة سوء واحدة، ولقد زاملته في السكن إبَّان دراستنا في مصر فكان نعم الرفيق هناك.
عاد إلى الكويت وتدرج في سلك العمل بالوزارة المذكورة إلى أن وصل إلى مرتبة مدير إدارة المكتبات بها، وبعد فترة من الزمن نهض خلالها بعمله، وقدم من خلاله كثيرا من المبادرات المهمة رغبة منه في التشجيع على القراءة وبخاصة بين الشبان وطلاب المدارس؛ انتقل إلى اللجنة الوطنية الكويتية لليونسكو، وصار مستشارا لها. ومضى في عمله هذا إلى أن تقاعد اثر مرض أصابه فجعل استمراره في وظيفته صعبا على الرغم من محاولات العلاج الكثيرة.
وعلى الرغم من مرضه الشديد وتقاعده فقد كان حريصا على التواصل مع أصدقائه الذين يحبهم ويحبونه، ويذكرون له دائما طيبته ويستمتعون بأُنس حديثه، فلم ينقطع عنهم ولم ينقطعوا عنه. وكنت إذا لقيته أحسست بأنني أحيا من جديد في تلك الأيام السعيدة التي عشناها معا، وقد آن الأوان لكي نفقدها معا فرحمة الله عليه ورضوانه.
ولسوف يمضي الزمان حثيثا دون أن ننسى أبا خالد فقد كان رجلا مثاليا، فيه صفات الرجال الذين لا تملك إلا أن تحترمهم وتحتفظ لهم بكل الحب والتقدير.
ولقد استفدنا كثيرا من خبرته في مجال المكتبات بصورتها العامة حين ألف كتابا مهما عنوانه: «المكتبات العامة والمدرسية في الكويت – تاريخها، تطورها، واقعها». وقد اشترك معه في تأليف هذا الكتاب الأستاذ محمد بدوي العضو الفني في إدارة المكتبات بوزارة التربية.
الكتاب مهم في بابه لأن المكتبات الكويتية نشأت منذ وقت طويل سواء أكانت مدرسية أم عامة، وقد حرصت وزارة التربية على أن تهيئ للطلاب وللمدرسين، وللقراء من خارج المدارس فرص القراءة عن طريق إعداد المكتبات وتزويدها بالكتب والأثاث المناسب حتى يجد كل قارئ فرصته للاستمتاع بالقراءة والاطلاع، ويقوم بتنمية قدراته الخاصة في مجال التعليم الذاتي.
وفي بداية العمل يقول المؤلفان: «رأينا أَنه من الضروري رصد كل ما قدمناه اليوم في هذا القطاع، – مع العودة إلى الوراء لسبعين عاما – قبل أن تضيع هذه الحقائق مع الزمن». ثم يقولون: «بل أردنا – وهذا هو الأهم – أن نخلف من ورائنا تاريخا موثوقا، وعلما موروثا لقطاع من أهم قطاعات الدولة الثقافية في هذه الحقبة الزمنية».
لقد كان عبدالعزيز التمار يتابع هذا الجهد الذي فرضه على نفسه وشاركه فيه زميل من زملائه، فتم الوفاء بكل ما كان هو المقصود من وراء العمل على إصدار هذا الكتاب الذي نتصفحه بين أيدينا، ونتذكر به صاحبنا المرحوم أبا خالد الذي كان ينظر إلى عمله في إدارة المكتبات بمنظار مختلف عن المنظار الذي يرى به الآخرون أعمالهم، فإن العمل بالنسبة إليه رسالة ومهمة وطنية ينهض بها في سبيل النشء الذين هم أساس رقي الوطن في مستقبله.
يقع الكتاب المشار إليه في واحد وعشرين وأربعمائة صفحة من القطع المتوسط. وتقع مادته العلمية في ثمانية فصول، وهو محلّى بالصور والرسوم البيانية والجداول والنماذج والأشكال وكلها تفيد العاملين في مجال المكتبات وتقرب لهم حجم الخدمة التي تقدم في مكتبات الكويت العامة والمدرسية.
يتناول الفصل الأول الحديث عن نشأة المكتبات في البلاد، منذ ميلاد أول مكتبة عامة في سنة 1924م. وهو يبين الموقع الذي كانت فيه ويذكر مجلس إدارتها، ونظام العمل بها وأول أمين لها. ويتحدث بعد ذلك عن الأهداف العامة والخاصة للمكتبات المدرسية، وعن علاقة المكتبات المدرسية بالأجهزة التربوية، مع بيان مدى تحقيق المكتبة المدرسية للأهداف التربوية في مختلف مراحل التعليم. ويفرد حديثا عن المكتبات العامة، مبينا أهدافها وسياساتها والخدمات التي تقدمها.
أما الفصل الثاني فيتناول إدارة المكتبات، مبينا نشأتها واختصاصاتها وأنشطتها والأنظمة التي صدرت بشأنها منذ سنة 1976م. وفي هذا الفصل حديث عن سياسة الإدارة في تكوين المجموعات التربوية والتزويد بالكتب. وفي مجال الإعداد الفني ذكر الكتاب القواعد والنظم المعمول بها ثم عرض الإصدارات التي قامت إدارة المكتبات بنشرها من اجل الإعلام عن أنشطتها، ومن أجل تزويد العاملين بها بالمعلومات المهمة التي يحتاجون إليها في مجال عملهم وهي تقع في اثنتي عشرة مطبوعة.
وكان الفصل الثالث مخصصا لبيان اهتمامات وزارة التربية بتطوير الخدمات المكتبية، وهو يشمل التنويع فيها كالاهتمام بالمكتبة المدرسية ومكتبة الخدمات الطلابية ومشروع أصدقاء الكتاب والمكتبات، ومكتبة الطفل. وأما ما ظهر من أعمال لجنة التطوير، ولجنة الإعلام؛ فقد أدى هذا النشاط المشترك بينهما إلى القيام بعدد من الأعمال منها برامج المسابقات ومعارض الكتب والملتقيات الفكرية وغير ذلك. وأدى – أيضاً – إلى إدخال نظام الاستفادة من التقنيات الحديثة في المجال المكتبي، فكان لهذا العمل دوره في رقي العمل، وحسن تقديم الخدمة للراغبين فيها.
كل هذا إلى تفصيلات أكثر جاءت في الفصول الخمسة الباقية فأضفت على الكتاب قيمة علمية مهمة، وَدَلَّت على الجهد الذي بُذل في تأليفه.
هذا العمل جزء من أعمال كثيرة قام بها الأخ عبدالعزيز التمار في مجال العمل العام. وهو إذا أضيف إليه ما يتمتع به من خلق حسن ووفاء، وتعامل طيب مع الجميع، وصلة قوية بهم عرفنا أي نوع من الرجال فقدنا في هذه الأيام. رحمه الله.

د.يعقوب يوسف الغنيم

المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.