ليس خافيا ان مجلس الأمة الحالي (والمنتخب في 2012/12/1) لا يزال في مرحلة التجربة والخطأ، نظرا لفقدانه عددا كافيا من الأعضاء من ذوي الخبرة والدراية في المجالين البرلماني والسياسي، ولذلك فمن المتوقع ان يحاول إثبات نفسه كمجلس أمة قادر على ملء موقع هذه السلطة، خصوصا انه منتخب في ظروف بلغت المقاطعة فيها مستوى عاليا تجاوز أكثر من ثلث الناخبين المعتادين على الانتخاب (ومنهم مكونات مهمة سياسية واجتماعية وقيادات برلمانية معروفة)، ولذا نجد أن المجلس بتصريح من رئيسه السيد علي الراشد قال إن هذا مجلس «يشمخ» أي أنه قادر على أن يحدث خدوشا حينما يأتي الأمر للبحث عن إمكاناته في المساءلة السياسية، وهو في الوقت ذاته – اي المجلس – لديه عجلة في اقرار مشروعات قوانين، بل وافق على أولويات مع الحكومة وادرجها على جدول أعماله، وذلك كله بهدف إثبات ذاته.
ولذا رأينا أن مجلس الأمة هذا قد قدم 4 استجوابات لوزراء الداخلية والمالية والمواصلات والنفط حتى يقول للجميع «نحن هنا» اي أننا قادرون على المساءلة السياسية، وهي حالة فيها فقدان للتوازن، وهذه ردة فعل طبيعية على الشعور بنقص الدعم الشعبي والسياسي العام من الناس لهذا المجلس، وقد بينت الأيام هذه الحقيقة، فقد اجل المجلس استجوابي وزيري الداخلية والمواصلات الى دور الانعقاد المقبل بقراره يوم الثلاثاء الموافق 2013/2/19، وقد يكون المجلس هنا قد اعطى مثالا ايجابيا على أنه متعاون وهدفه التنبيه للاخطاء ومنح الفرصة لاصلاحها أكثر من ان يكون هدفه «رأس الناطور» كما يقال في المثل الدارج، لكن هذه مسألة تبقى محل نظر خصوصا اذا علمنا ان الاستجوابين رجح تأجيلهما أصوات الحكومة (الـ 14 وزيراً)، ويبقى أمام المجلس ما هو أهم، وهو أن الحكومة حتى هذه اللحظة لا تتعامل معه بوضع الند الطبيعي، وهذا خلل نبه اليه بعض النواب في جلسة التأجيل، وينبغي على الحكومة أن تتسم بالحكمة في التعامل مع هذا الأمر بالجدية الكافية، لا أن توجد سوابق برلمانية مضرة في التجربة للسنوات المقبلة وهذا مسلك خطير ان كانت الحكومة تعمل ذلك بتخطيط وتوجه مقصودين، خصوصا ان الحكومة حتى اليوم لم تقدم برنامجها وفقا للمادة 98 من الدستور، وهو استخفاف سياسي بالمجلس والأمة.
وينبغي أن ننبه الى أمر في ظل المعطيات المتوقعة لمستجدات الاجواء السياسية الخاصة بموضوع الدوائر، هو أن أحكام المحكمة الدستورية سيكون لها أثر حاسم في هذا الموضوع، لكن الأهم ألا تتحول المقاطعة من قبل المقاطعين ولا الفرح من قبل الحكومة بخلو المجلس من معارضة حقيقية الى تفكير اي منهما بتحويل المقاطعة أو العزلة المؤقتة الى قطيعة، وان يعمل كل منهما على تجييش مسانديه لتحقيق هذا الهدف الذي سيكون حتما معول هدم للبلد ولمؤسساته البرلمانية والتنفيذية.
اللهم اني بلغت،
أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع
dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق