كلما زادت الثروة النفطية في بلد ما، قل احتمال تحوله الديموقراطي.. هذا ما ذكره مايكل روس في كتابه، مضيفاً أن الملكيات الدستورية صعبة في بلد لا يدفع مواطنوه الضرائب.
نادت تيارات من المعارضة في البحرين والكويت بتحويل أنظمة الحكم إلى ملكيات دستورية، التي أقرب ما تعني أن يشكّل الحكومة شخصية منتخبة مدعومة بأغلبية برلمانية. هذا ومع أن هذه المطالبات في التحول الديموقراطي إلى ملكيات دستورية قد ترددت في كل من الكويت والبحرين، إلا أنها كانت ذات صدى أقوى في البحرين، والذي لا شك أنه يرجع إلى أن الوضع المعيشي في الكويت أفضل بكثير عنه في البحرين، وذلك لتوافر إيرادات نفطية أعطت الفرصة للحكومة في الكويت أن توفر للمواطن الكويتي الحياة الأفضل حتى من بين مواطني دول الخليج. لذا لم يكن صدفة أن تكون النداءات لتحول ديموقراطي على شاكلة ملكيات دستورية في الكويت، أقل تأثيرا في الكويت عنها في البحرين. فالبطالة والانكماش الاقتصادي بشكل عام في البحرين، وعدم قدرة الدولة على إيجاد حلول سريعة لعدم توافر إيرادات نفطية كبيرة، تجعل من المطالبة بملكية دستورية أمرا طبيعيا أو متوقعا.
هذا هو موضوع كتاب «لعنة النفط» لمؤلفه مايكل روس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، والذي يجادل بأنه كلما زادت الثروة النفطية في بلد ما، قل احتمال تحوله الديموقراطي. ويبني طرحه هذا على أن الهدف الرئيسي للمواطنين هو أن يتجنبوا دفع الضرائب. والثروة النفطية تعطي الحاكم بديلا عن فرض الضرائب، مما يعزز انفراده بالسلطة. ويرى أن التحول الديموقراطي الذي حدث في العالم على مدى القرنين الأخيرين كانت له علاقة مباشرة بحجم أو نسبة الضريبة التي يدفعها المواطن على دخله.
وتبرز أهمية كتاب مايكل روس لكونه اعتمد على مراقبة دقيقة واستنتاج علاقات إحصائية بين نمو الثروة ومعدل دخل الفرد بالتحول الديموقراطي. فوجد مثلا أن الانفراد بالسلطة والتخلي عن العملية الديموقراطية يزيدان في الفترات التي ترتفع فيها أسعار النفط، مما يعني أن التأثير الصافي للثروة النفطية على التحول الديموقراطي يكون سالبا. ويذكر روس في كتابه:
إنه منذ عام 1980 فإن التحوّل الديموقراطي في الدول غير النفطية قد تضاعف ثلاث مرات، بينما استمر في الدول النفطية في مستواه نفسه. وأن موجات التحول الديموقراطي التي شهدها العالم على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، لم تؤثر أبدا في الدول النفطية. ولاحظ روس أن دولا مثل نيجيريا والإكوادور لم ترجع إلى الديموقراطية إلا بعد انخفاض إيراداتها النفطية. وأنه منذ عام 1960 لم يتحول أي بلد غني في ثروته النفطية إلى ديموقراطية حقيقية. ويعزو ذلك إلى أنه في الدول النفطية، تتوافر الثروة الناتجة لأن تشتري الحكومة ولاء الشعب.
ومع أن روس يقدم تحليلا سياسيا واقتصاديا كاملا للتغيرات في الدول النفطية، مقارنا إياها مع دول غير نفطية، إلا أنه يغفل عاملاً مهماً في دراسته. ذلك هو تأثير نسبة القوى العاملة الأجنبية من إجمالي القوى العاملة على العملية الديموقراطية، التي أرى أن ارتفاعها كذلك في الدول النفطية يزيد من إعاقة التحول الديموقراطي. فضعف مساهمة القوى العاملة المحلية والعملية الإنتاجية يعطي حكومات الدول النفطية حرية أكبر في التصرّف في القرار السياسي. فهذه الحكومات لا تحتاج إلى شعبها لفرض ضرائب فقط، وإنما لا تحتاجه كذلك، لأن مساهمته في تسيير عجلة الحياة في البلد نفسه تبقى متواضعة. لذلك فإن الملكية الدستورية، في بلد لا يدفع مواطنوه ضرائب، وتوفر له العائدات النفطية وظائف ودعما غذائيا وكهرباء وماء مجانا، صعبة التحقيق. ولا يمكن أن تتشكل دعوات جدية للتحول نحو ملكية دستورية في ظل وضع تحقق فيه ميزانية الدولة فوائض من الإيرادات النفطية.
د. حامد الحمود
Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق