فاطمة حسين: على جسر التنهدات

تمر بالمجتمعات – ونحن منهم – موجات من الهوى يطلق عليها اسم (موضة) وهذه تسري بين الناس كالنسيم العليل أولا وتستمر حتى تصبح رياحاً عاتية تُخضع الانسان لها قبل ان يخضعها.
وما ان يستأنس الاول منا بالآخر – أي نحن والرياح – حتى نأخذها عادة نسايرها وتسايرنا حتى تصبح وجها من وجوه ثقافة الحاضر مسارها مرهون بطاقة اضافاتنا لها مما يعني أن (الثقافة) وفي المطلق من القول ما هي إلا حراك انساني لمجموعة من البشر تقطن بقعة معينة في زمن معين.
هذه المجموعة صحت من سباتها على اهمية التجديد في المسار بالتعديل بما يناسب الحال فآثرت التغير التدريجي نحو التطوير.
وكلما امتد بها الزمن ونما العطاء وثبَّت موقعه عبر الايام والاشهر والسنين فإنه يصبح حجر اساس من احجار الحضارة: ماديا مثل الصروح التاريخية كالمساجد والقصور.. الخ، أو انسانيا مثل الادب شعرا أو نثرا أو فنا مقروءا أو مسموعا أو مرئيا.
هذه الموضة السائرة في طريق الثقافة تهب على مجتمعنا كالرياح تجرف اذهان البشر في طريقها تعصف عاصفتها لكنها في اغلب الاحيان تذهب مع الريح، ولكم عندي في هذا المجال امثلة ثلاثة.
اولها، قطعا أغلبكم يذكر عندما عصفت بنا رياح (الشفافية).
يا له من سلوك عظيم، يفصل الحق عن الباطل فاستجبنا له واغرقتنا وسائل إعلام بأخباره، مجالس، جمعيات، مؤسسات، لجان وعشنا ثقافة الشفافية حتى اوشكنا ان نبني وزارات الدولة من الزجاج فماذا حدث؟؟ اين تلك الاموال التي صرفت على المؤتمرات والدراسات واللجان والمؤسسات والرحلات المكوكية؟؟ نعم ذهبت مع الريح!!!
ثانيها الفساد والذي بدأ خجلا بالسلوك التربوي – للاسف – الغش العلني في مراكز التعليم من المدرسة الى الجامعة وبتشجيع علني من الاساتذة وتدخل قسري من اعضاء مجلس الامة حتى غرقت البلاد بأوراق تحمل الدرجات العليا – رقميا فقط – تتنافس مع ارقام الرواتب المادية لمكاسب ذاتية وخسائر وطنية جعلت الكويت تكاد تبكي ابناءها وبناتها ممن عبروا المسار على الحرير بعقول خاوية.
ونما الفساد (الثقافة الجديدة) يخترق مجالات اخرى مثمرة ماديا، ألسنا دولة غنية لا تعرف كيف تتصرف بأموالها؟؟؟ وتسرب في جسد الوطن حتى وصل الى لقمة عيشنا وسقطت الصخرة التي كانت تقفل بوابة الكهف وصحت الجماعة بعد سبات عميق لتكتشف أننا نأكل البيض الموبوء بمرض السالمونيلا الخبيث في إفطارنا، ونأكل لحوم الحمير والخنازير في وجبة الغداء وحتى مواد التموين التي تصرف لنا باسم الدولة يجري تخزينها في مواقع تسرح بها الفئران والصراصير (على ذمة اهل الصحافة).
فلم يعد الموضوع مجرد اكتشاف تاجر معين أو مزرعة معينة فالموضوع اكبر من ذلك بكثير لأن المتورطين من الكبار الكبار ونحن ننتمي الى الصغار الصغار، فهل هي دعوة من بلدنا الحبيب – وبمناسبة عيدنا الوطني المجيد – (لضرب رؤوسنا في الحائط)؟.
كم هو قاس ان يشعر المواطن انه (ما عنده والي) فالغني لاهٍ والفقير غافٍ وكبار التجار يرتعون بالفوائد المادية من اليمين ومن الشمال والحكومة والمجلس في سباق لا نهاية له.
???
اما الموضة الثالثة (الثقافية) فهي القنبلة الموقوتة الآتية لا محالة وهي ما يطلق عليه (المشاريع الصغيرة)، اذ انه رغم روعة النية ورغم كرم الدولة مع ابنائها الا انها تتعثر كل يوم نتيجة طول جيش المستفيدين من اليمين والشمال ومن الشرق ومن الغرب ممن يحلبون البقرة الحكومية لصالحهم ولدعم سلوك المحاباة لفلان قبل فلان فهل سيذهب المشروع مع الريح ويأخذ معه؟؟؟؟ الى جسر التنهدات؟؟؟.
فاطمة حسين
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.