جميع ملامح التباين بأنواعه الشكلي منها والمعنوي والعلمي والثقافي والجنسي, وما يتعلق بالتباين من تنوع أصول الناس ونسبها, نجده في بلد كالولايات المتحدة الأميركية, فهو أحق بصفة التباين والتنوع. في حين أنني من خلال زياراتي لبلدان أوروبية وعربية وشرقية لاحظت – بشكل شخصي ومحدود- أن أبعد بلدين عن هذا الوصف بتبعاته هما لبنان والكويت.
لبنان يتنوع جغرافيا وديموغرافيا وعرقيا وطائفيا وسياسيا إلا أنه يظل مصبوغا بلون واحد. ففي لبنان الكل يريد أن يحيا وفقا لمعيار معيشي واحد, ويلبس موضة واحدة, وينتعل هما واحدا, ويطمح الى مبتغى واحد. وعلى هذا ايضا نجدنا في الكويت متوحدين بشكل سلبي حتى كدت لترانا نشبه بعضنا في ملامحنا من شدة قرابتنا الشكلية.
والغريب أن الكويتيين في رغبة مستمرة إلى نسخ ذوق وسلوك بعضهم بعضا, فكأنك إذا مشيت في أحد المراكز التجارية تشاهد انعكاسات ناس على ناس آخرين, وكأنما الذوق الخاص والتباين وحتمية الاختلاف بين الناس تلاشت من على سطح هذا البلد, فغدا الجميع راغبا بالتمتع بلباس الغير فيما يختار وهضم ذوق الغير في ما يأكل ومشاهدة ظل الغير في نفسه حين يهم بالخروج بها للناس.
والأغرب أن الكويتيين لديهم الرغبة المستمرة ذاتها والمتأججة للتميز, ولنعقلها هنا معا, كيف لنا أن نساير الذوق العام ونتبناه وفي الوقت ذاته والجهد المبذول نفسه نسعى دؤوبين إلى الانشقاق عنه رغبة في الظهور والبروز واللمعان?
الجواب في رأيي يكمن في التفسير الوحيد الذي استطاعت قدراتي أن تمنطقه, وهو أن الكويتية والكويتي يسيران في ركب قافلة الذوق العام التي تضمن لهما الراحة في عدم التفكير ببناء ذوق شخصي, وتؤمنهما من شر قراصنة النقد فلا يعرضان ذوقهما الخاص حتى ينتقد ويكتفيان بما اختارته العامة وارتضوه, وتؤويهما من شر حاسد إذا حسد فما أملكه أنا يملكه الآخرون بغض النظر عن قدراتهم المادية و دخلهم إلا أنني أنا الكويتي والكويتية أختار أن أصعد جهدي المبذول في السير مع الركب فأحاول – وأنا معهم في سيرهم- أن أسبق القافلة ومن عليها فأزيد في حليي التي من المفترض أن تحلي لا تثقل الكاحل والرقبة, وأزيد في درجة الألوان التي ارتضتها القافلة فأبرز وألمع, وأزيد في شدة ماكياجي فأظهر بمظهر المحتفلة بذاتها حتى وإن كنت أقصد التسوق, وأشد شعري شدا مدا حتى ينقطع منى أو يتقطع وإن كان بطبيعته مموجا أو أشعث, لكنني لم أزل أحتمي بالقافلة وأحسب عليها.
أسافر إلى تركيا بلد الأزياء والجلود والطبيعة المتباينة ليبدو لي الجميع جميلا رغم تباينه, وأعود الى كويتي وكويتكم ليبدو لي الجميع مزعجا للنظر ومسطحا رغم تشابهه, وأسافر الى برلين لأجد معاني أخرى للجمال تقبع في الترتيب والتنظيم في اللبس والحركة والإيماءة, وأعود لكويتي وكويتكم لأجد أغلب من أجد من النساء يعطشن الجيم ويجففن العين ويرطبن الراء ويسقين السين. أسافر أين ما سافرت لأعود وأقارن – لا إراديا- وبشكل سطحي بين الذوق العام جدا في الكويت و الذوق الخاص جدا في بلدان أخرى.
فالذي لم يدركه الكويتيون هو أنه للجمال أبعاد وزوايا لا بعدا واحدا, و أن للجمال مقاييس متعددة يقاس بها لا مقياسا واحدا, وأن للجمال مناظير كثيرة ينظر له بها لا منظارا واحدا, فتباين يا كويتي واختلفي يا كويتية, فما يضر أحدا إن اخترت ما لم يختره غيرك, ولكن يضرك أنت إن أقحمت نفسك في اختيار غيرك لنفسه فكأنما حرمت نفسك حق الاختيار.
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق