عندما تكون هناك مقاومة للاحتلال في اي بلد، يولد معها أيضا ادب المقاومة، الذي يشمل كل الاجناس الادبية من شعر وقصة ورواية اضافة الى المسرح والفن التشكيلي ومعه الاغنية، ومعظم الدول العربية لديها ادب مقاومة يعبر عن نبض رجل الشارع تجاه قضاياه الوطنية، وبالنسبة للكويت لا يمكن ذكر مرحلة الغزو من دون ذكر ألبوم «هنا الكويت» الذي ضم 18 أغنية، من كلمات الشاعر الشهيد فايق عبد الجليل وألحان الملحن الشهيد عبدالله الراشد.
كان اكثر من نصف اهل الكويت خارج الديرة لكون الاحتلال جاء في الاجازة الصيفية، وخرج من خرج وصمد الكثير من اهل الكويت، ومنهم مبدعون وادباء وفنانون، كان من بينهم الشاعر الشهيد فايق عبد الجليل والملحن الشهيد عبدالله الراشد، وهما صديقان حميمان، فقررا ان يقدما اغنيات وطنية تعبر عن نبض رجل الشارع الكويتي.
ذهب فايق عبد الجليل بأسرته (زوجته وبناته وابنه الوحيد فارس) الى الحدود مع المملكة العربية السعودية وودعهم، فكان الوداع الاخير، وكتب رائعته:
عند الحدود
ما اقدر اودعهم واعود
امي وام عيالي هم شمس الوجود
وعيالي في دمي وفي صدري ورود
ان الشاعر هنا لم يعبر عن مشاعره وحده وهو يودع اسرته، بل عبر عن مشاعر كل أب كويتي ودع اسرته وقرر العودة لمواجهة هول الاحتلال وما خبأه القدر له، وهذا ما فعله فايق عبد الجليل، وكم طلبوا منه ان يغادر مع اسرته الا انه رفض. ومن يعرف شخصية فايق عبد الجليل عن قرب لا يستغرب منه هذا التصرف، فهو ممزوج بالبيئة الكويتية وبأمه الكويت.
تحدي الظروف
لم تكن الاجواء موائمة من حيث الاستديو وبقية الامور التقنية لتسجيل الأغنيات، فجرت البروفات والتسجيل في منزل الشاعر فايق عبد الجليل في ضاحية صباح السالم، وكانت معه مجموعة من المبدعين الصامدين امثال عبدالله الراشد ويعقوب الرشيد ومرزوق سعيد والطفلة مي العيدان وعبدالله العمير وعادل ملك والاديب وليد المسلم، ثم جاءت عملية نسخ الالبوم الذي ضم ثماني عشرة اغنية ويحمل عنوان «هنا الكويت».
بعدها تطوع فريق عمل لتوزيعه، ضم مجموعة من الشباب منهم الاختان هند وليلى محمد صالح والشاعرة سعدية مفرح وموضي المفتاح وخالد محمد، ومن السعودية احمد الكعكي، بالاضافة إلى مقاومات كويتيات وعربيات تحدين الخطر وساهمن في توزيعه، والاهم انه تم توصيله الى خارج الكويت.
وبعد التحرير دعمت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح فكرة اعادة تسجيله بالقاهرة، وان كنت افضل ان اسمع الاغاني كما تم تسجيلها وسط الخوف والترقب وعدم توافر التقنيات الحديثة للتسجيل فهي اكثر وقعا على النفس.
أجمل من الحمرة
ومن اجمل أغاني الألبوم تلك التي غنتها مي العيدان، وكان عمرها في ذلك الوقت عشر سنوات، وتحمل خصوصية المرأة التي تتنازل عن زينتها في تلك المحنة فتقول:
نذرا علي ما أقرب الحمره
ولا العطور ولا البخور
الا اذا زال الغزو وانتهى امره
كويتية واعرف واجبي
ومهما يصير دوري كبير
وأجمل من الحمره
ومن ريحتي العطره
كويتي أسير
ولم ينس الشاعر فايق عبد الجليل ان يتناول حالة لم يعرفها الكويتيون من قبل وهي «كويتي اسير» فكتب قائلا:
اسمعني اسمع يا اسير
انت ابد ما انت الاسير
هو الاسير
هو الضرير
والظلم لا بد له اخير
رفض الاحتلال
وعبّر الشاعر عن رفض الاحتلال من خلال قصائد غنائية عدة استخدم فيها بعض المفردات الكويتية في اشارة الى الخصوصية الكويتية، فقال:
يانا الذيب يانا الذيب
خرب في الديرة تخريب
عض الطيب بعد الطيب
شطب ع الديرة تشطيب
ويتناول طاغية بغداد فيقول عنه:
يانا الذيب وياب صوره
كاشخ لابس نافخ صدره
ما يدري هالارض الحره
عنها الشمس ما يوم تغيب
وكأن شاعرنا يتنبأ بالمستقبل ولديه بعد نظر بأن طاغية بغداد سوف يجد من يحاسبه عما فعل لكون سلوكه هو سلوك الغاب بعيدا عن المواثيق الدولية والانسانية فقال:
يانا الذيب سوى عصابه
باق وعضض كنه بغابه
ما فكر ما حط بحسابه
على باله الدنيا تشريب
نبقى كويتيين
ويعمل شاعرنا على تحفيز الصامدين للوقوف في وجه المحتل مهما كانت الظروف فيقول:
نبقى نبقى كويتيين
نموت ونعيش كويتيين
لا ارقام ولا بنزين
لا جمعية ولا تموين
كسرة خبزة واسم كويت
تكفي كل اللي في البيت
تجمعنا كلمة كويتية
ذكرى ايام الحرية
نبقى نبقى كويتيين
وعد جابر
ويزف شاعرنا ليكون بمنزلة البشير لشعبه لانه على ثقة من ان التحرير قادم فيقول:
جابرنا واعدنا وعد
جابر والبابا سعد
يجيب الصوغه بالتدبير
يجيب الصوغه باللي يصير
حق الكبير
حق الصغير
وصوغتنا هي التحرير
مر على الاحتلال اكثر من عقدين من الزمن وكل من عاصر تلك الفترة المهمة من تاريخ الكويت لديه ذكريات راسخة في عقله الباطني، واني لاعجب من اذاعة الكويت التي لا تبث هذه الاغنيات الوطنية الرائعة الا في حالات نادرة، فابداعاتها تفوق ما يقدم في السنوات الاخيرة من اغنيات وطنية «تفشل» صرف عليها الاف الدنانير، وهي دون مستوى الطموح.
قم بكتابة اول تعليق