تجلى الجهاد بأروع صوره والصمود بأسمى معانيه والدفاع عن الوطن بأقوى ارادة من خلال مقاومتنا الوطنية التي تشكلت نواتها بمجرد دخول القوات العراقية المحتلة الى ارضنا، حيث هب ابطالنا شبابا وشيابا للتصدي لجحافل الغدر وللحفاظ على هويتنا الوطنية.
فحمل رجال الكويت ونساؤها لواء المقاومة في وجه عدو حشد مئات الألوف من الجنود وما لا يحصى من معدات وعتاد فوق ارضنا التي وطأها ولكنه لم يصل ابدا الى قلبها، وظن انه بعدته وعديده سيخضع شعبنا الأبي فكانت ارادتنا أشد وأصلب من اسلحته.
فظهرت مقاومتنا كالمارد الذي لم يحسب حسابه وتحول الشعب الكويتي المسالم الى شعب صلب في تصديه ومقاومته بعدما حاول المحتل طمس هويتنا ومحونا. فسجلت المقاومة مفاجأة مذهلة للمحتل الغاشم ولكنها كانت بالنسبة لنا تعبيرا حقيقيا وواقعيا عن شعب متشبث بأرضه ووطنه وهويته، شعب يدفع النفيس والغالي مقابل الاحتفاظ بتراب وطنه وشعب اظهر للغزاة ان الحق هو المنتصر، وان الشر هو المندحر.
وما زاد من مفاجأة العدو ان حساباته كانت تشير الى ان ارض الكويت سهلة ومكشوفة وخالية تماما من الغابات او المرتفعات ما يصعب عملية الاختباء والتمويه بالاضافة الى تخطيط بلدنا الى مناطق متكاملة، يجعل من السهولة السيطرة على مداخل ومخارج المناطق، فوجود الطرق السريعة يساعد قوات العدو على سهولة الحركة ووصول التعزيزات.
وهذا بالاضافة الى عامل الخيانة من قبل اناس سددوا طعنات الغدر في ظهورنا، ولكن كل ذلك لم يمنع مقاومتنا من ان تشكل وتفجر في وجه القوات المحتلة مفاجأة بكل معنى الكلمة.
بدأت المقاومة الكويتية تتشكل بعد دخول القوات العراقية الكويت بساعات، حيث تكونت بشكل اساسي من المقاتلين الذين خاضوا معارك هنا وهناك انتهت بطبيعة الحال الى مقاومة سرية وبشكل خاص بعد ان سقطت مدينة كيفان التي صمدت لسبعة ايام امام الجيش العراقي الذي لم يستطع اقتحامها طوال تلك الفترة، وبعد مرور اسبوع على الاحتلال العراقي تمت محاصرة جميع المناطق التي تركزت فيها المقاومة الكويتية وعلى الاخص بعد المظاهرات التي قامت بها العائلات الكويتية في مناطق عديدة، بعدها لجأت المقاومة لتكوين خلايا سرية، وكانت هناك اكثر من فئة حاولت تأسيس خلايا المقاومة وهي مجاميع عشوائية تكونت من افراد شاركوا في المعارك ثم اضطروا للاختفاء، بالاضافة لأصدقاء الديوانية والجيران في المنطقة الواحدة او الحي الفريج الواحد، كما حاولت بعض الشخصيات البارزة بدورها تأسيس خلايا للمقاومة،الا ان الجزء الاساسي والاكبر من المقاومة الكويتية كان شعبيا وبجهود اهلية بحتة.
أشكال وأنواع المقاومة
المقاومة الكويتية نشأت اساسا بغرض التأثير على الجيش العراقي وتوجيه ضربات موجعة له، والحد من الضرر الذي يلحقه بالشعب الكويتي، وبث الذعر والرعب في نفوس الجنود والضباط العراقيين ورفع معنويات الشعب الكويتي وحمايته، وبالتأكيد توجيه رسالة للخارج ان الشعب الكويتي يرفض الاحتلال العراقي ويقاوم وجوده فيها، ويقاتل من اجل حريته، وقد تعددت اشكال المقاومة الكويتية فهناك المقاومة التي تقوم بها الاسر والمواطنون الذين لا يتمكنون من حمل السلاح وتتمثل في: الصمود المدني وعدم مغادرة الكويت مهما كانت التهديدات، العصيان المدني وعدم الالتحاق بالاعمال لشل قدرات النظام العراقي وعدم تمكينه من تثبيت احتلاله وغيرها، الشق الآخر من المقاومة المدنية تمثل في قيام خلايا المقاومة بالمهام التالية: توزيع الاموال على المواطنين الكويتيين والمقيمين أيضا الذين ينفذون العصيان المدني، توزيع التموين والغذاء على البيوت والاحياء الكويتية، توفير هويات مزورة للاشخاص المطاردين من الجيش العراقي، وهؤلاء كان يتم تهريب هوياتهم الاصلية الى السعودية ومن ثم تهريب هويات مزورة لهم الى الداخل، تهريب الاشخاص الجرحى او المطاردين من الجيش العراقي الى الخارج وبينهم ضباط عراقيون تمردوا على قيادتهم.
بالاضافة الى ذلك النمط من المقاومة، كانت هناك المقاومة العسكرية المسلحة، كانت فكرة المقاومة في بدايتها تقوم على استخدام الاسلحة الخفيفة عند نقاط التفتيش وتنفيذ الهجمات الصغيرة هنا وهناك، لكن هذا الاسلوب لا يمكن ان يستمر ولكن سيكون له دور نفسي مؤقت الى ان تتمكن سلطات الاحتلال من الإحكام بقبضتها على البلاد، وعندما عمدت الى تغيير التكتيك، وانتقلت الى استخدام اسلحة اخرى استطاعت المقاومة الاستيلاء عليها من مخازن وزارة الدفاع الكويتية في الايام الاولى للاحتلال، وحصلت من هذه المخازن على اسلحة «سي ـ 4» ومتفجرات «تي ان تي» والصواعق وصواريخ سام 7، وبسبب عدم التمكن من الحصول على الساعات التي تستخدم لإطلاق الصواريخ استخدمت ساعات غسالات الملابس، عندها كانت قد تبلورت خلايا للمقاومة تتمركز في منازل المواطنين في مناطق الجهراء وبيان والاندلس والرميثية ثم انتشرت في جميع مناطق الكويت حتى وصلت اعداد الافراد الذين يقومون بتنفيذ هذه العمليات قبيل التحرير الى 2000 فرد.
ابتكارات جديدة
ربما لم يخطر في بال من ابتدع خدمة التوصيل للمنازل ان هناك من سيستخدم هذه الخدمة ليس لتوصيل الاطعمة او المشروبات وانما متفجرات «تي ان تي» والسيارات المفخخة وعندما كان ينقص مخزون الاسلحة او الذخيرة لدى احدى خلايا المقاومة كان المقاومون يقومون بتوفير ما يطلبونه على الفور، كانوا يتصلون هاتفيا يطلبون حقيبة مفخخة او سيارة مفخخة وكنا نقوم بتجهيزها وتوصيلها اليهم كانت هناك دائما سيارات وحقائب في انتظار من يريد استخدامها.
ويوم التحرير كان هناك العديد منها لم يستخدم بعد، وعندما كان المقاومون يريدون التوفير في استخدام الـ «تي ان تي» ويزيد من القوة التدميرية للعبوة الناسفة كانون يلجأون الى اضافة المسامير الفولاذية وانابيب الغاز والشظايا الزجاجية.
شيفرة المقاومة الكويتية
الشيفرة التي استخدمها الكويتيون اثناء الاحتلال كانت محدودة بين افراد المقاومة، حيث استخدموا مفردات مألوفة تعني شيئا آخر مثل «عندكم خضرة» وتعني عندكم مال او «عندنا عشاء» وتعني هناك اجتماع او «كم متر القماش» اي كم سعر الدينار، والماء يقصد به البنزين، بنلعب كرة اليوم وتعني مستعدون للهجوم، الاهل زارونا وتعني هناك تفتيش ونريد خيشتين عيش وتعني نريد ذخيرة والصمونة فيها كاتشب وتعني عندنا مصاب ينزف وغيرها، اما اكثر المجالات التي استخدمت فيها الشيفرة فكانت للاتصالات الخارجية ثم للاتصال بالمقاومة ونقل المعلومات، وقد تم خلق 263 لفظا وعبارة للغة السرية استخدمها 9193 شخصا.
البيان الأول
بسم الله الرحمن الرحيم، نصر من الله وفتح قريب.. الله.. الوطن.. الأمير.
أيها الشعب الكويتي البطل، تحية العز والمجد والكرامة نرفعها اليكم ونحن مرابطون على تراب كويتنا الشامخة يا شعبنا العظيم الذي لا ينهزم ولا يلين، نبشركم بأننا في داخل ارض وطننا نعيش حياة عالية الكرامة موفورة العزة، ان ابناءكم يقتنصون المحتلين في مختلف الطرق وفي جنح الليل، الامر الذي جعل المحتلين الجبناء يفرون خشية الموت، وهم يحملون نفوسا مهزوزة مذعورة بل اصبحوا يتجمعون في ثكناتهم ولا يجرأون على التجول في بلدنا قريبا من مساكننا واصبحوا أذلة جبناء يختبئون في جحورهم كالفئران، واصبحنا نتجول في جميع انحاء الكويت دون ان نرى لهم وجودا.
كما نبشركم بأن اهلنا قد ابدوا تلاحما عظيما، وتكافلا منقطع النظير، يخدم بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا كأسرة واحدة، كما كان يشهد تاريخنا من قبل، فيا شعب الكويت البطل اننا ندعوكم الى ارضكم الطاهرة لحمايتها، فتمسكوا بما قاله ربكم في قرآنه وهو اصدق القائلين (سيجعل الله بعد عسر يسرا) (ان مع العسر يسرا)، ونطمئنكم اننا نعيش حياة طبيعية متوافرة فيها كل شيء بفضل الله، الغزاة يترقبون الانسحاب والهزيمة.
واذا لم يكن من الموت بد فمن العار ان تموت جبانا والله اكبر والنصر لشعبنا الكويتي البطل.
البيان الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، صدق الله العظيم، أيها الشعب الكويتي الباسل من جيش وشرطة وحرس وطني ومدنيين ومقيمين اشراف، لقد غدر بنا صدام الغادر وقام الجميع بالتصدي لهذا العدوان الغاشم، وسقط الاشراف شهداء برصاص الغدر، والخيانة ونكران الجميل.
فإننا نعاهد الله والوطن والأمير والقيادة السياسية بالانتقام لشهدائنا البواسل جميعا، وكلنا نعلم ما فعله الشهيد فهد الاحمد ومواقفه القومية والعربية المشرفة من شعب العراق، ونحن لا نلوم الشعب العراقي، بل نلوم خونة العراق وحكومة العراق الناكرة للجميل، لسقوط البطل برصاص عراقي دفاعا عن وطنه، وليعلموا اننا على درب الشهيد ولن نرضى بغير رأس الجاحد صدام ثأرا للشهيد البطل.
يا ديرتي مالك علينا لوم لا تعتبي عتبك على من خان.
البيان الثالث
تعلن مجموعة «الشهيد فهد الاحمد»، أنها قامت مساء امس (14/8/1990) بتدمير دبابة معادية على طريق الدائري الرابع قرب منطقة حولي وتم قتل جميع عناصرها، وقامت المجموعة بعمل كمين لناقلة جنود تقل حوالي 15 فردا، وتم تدمير الناقلة والاستيلاء على ما بها من سلاح وذخيرة وقتل 5 جنود عراقيين واستسلام 6 وهروب البقية.
هذا وسنوافيكم بعملياتنا القادمة فور انتهائها ان شاء الله.
لا حكومة لنا الا الحكومة الشرعية في ظل آل الصباح الكرام.
صادرة عن مجموعة الشهيد فهد الأحمد رحمه الله.
سير العمليات
امتدت عمليات حركة المقاومة الكويتية لقوات الاحتلال العراقية لتشمل مختلف مناطق الكويت وخلال النصف الثاني من اغسطس 1990 توسعت هذه العمليات واخذت تهدد جنود الاحتلال تهديدا خطيرا واصبحت هذه القوات لا تخشى سوى لحظة حلول الظلام حيث تنطلق خلايا المقاومة الكويتية الى اهدافها المحددة سلفا وهو السبب الحقيقي ايضا وراء تخفيض القوات المحتلة لساعات حظر التجول.
وفي الرميثية وعلى الدائري الخامس نجحت عناصر المقاومة في تدمير سيارة دورية عراقية وداهم ابطال المقاومة الدورية العراقية بقنابل المولوتوف فأصابوا افرادها بجراح خطيرة، وتمكن افراد الخلية من العودة الى مقرهم دون خسائر.
وعلى طريق الدائري الرابع، قامت خلية اخرى بمهاجمة ناقلة دبابات عراقية، ولم يترك افراد المقاومة لقائدها وحراسها فرصة للفرار، ولم يتركوها الا بعد ان تحولت الى هيكل حديدي محترق، وذلك على تقاطع الدائري الرابع مع شارع الاستقلال، كما تمكنت احدى خلايا المقاومة في الرميثية من احراق سيارة مدنية كانت قد احضرت بعض العراقيين من بغداد في اطار محاولة المحتلين لتغيير البنية السكنية بالكويت.
وتمكنت خلايا المقاومة في الشويخ والفحيحيل من مهاجمة سيارة عسكرية عراقية «جيب» على جسر الدائري الخامس بالفحيحيل وحصدتها بالنيران، وان جثة قائد السيارة ظلت في مكانها امام المقود طوال 24 ساعة، ولم يقترب احد من الجنود العراقيين منها خوفا من ان تكون المقاومة قد وضعت لغما اسفل السيارة المحترقة، كما تم تدمير ناقلة جنود اسفل جسر الدائري السادس واصيب معظم ركابها من الجنود العراقيين وتم نقلهم الى مستشفى العدان الذي امتلأ بالجرحى من الجنود العراقيين، حتى ان القوات العراقية بدأت تجبر العائدين على التبرع بدمائهم لانقاذ جنود الاحتلال المشؤوم.
وقد نفذ رجال المقاومة الشعبية الكويتية في 18 اغسطس 1990 عملية فدائية جريئة حيث قام احد عناصر المقاومة باقتحام مستشفى «هادي» بمنطقة الجابرية بسيارة ملغمة بعد ان اتخذت منها القوات العراقية مقرا للقيادة وقد استشهد احد المواطنين الكويتيين الابطال، بينما ألحقت العملية خسائر فادحة في الارواح بالقوات العراقية، وجاء خبر العملية في بيان للمقاومة الشعبية الكويتية نقله راديو دبي.
كما قامت عناصر المقاومة الشعبية بتنفيذ عملية ضخمة في شارع سالم المبارك بالسالمية حيث هاجمت ثكنة للجنود العراقيين بالقنابل اليدوية وقنابل المولوتوف، وعقب العملية تم اغلاق الشوارع المؤدية للمنطقة وبدأ العراقيون عملية تفتيش ومداهمة لم تسفر عن شيء.
اما في الرقة فقد قام عدد من الشباب الكويتي بالهجوم على مخفر منطقة الرقة وتمكنوا من قتل 13 جنديا عراقيا، وفي الجابرية نفذ شاب كويتي عملية استشهادية بعد ان فجر بسيارته الملغومة دبابة عراقية.
وعلى جانب آخر تمثلت اعمال المقاومة الكويتية في الحفاظ على رموز السيادة الوطنية والشرعية الكويتية فبالرغم من محاولات قوات الاحتلال المستمرة في انزال الاعلام الكويتية من على المرافق العامة والوزارات وقيامها بمسح الشعارات المنادية بعودة الشرعية ورفض ضم الكويت قامت عناصر المقاومة باعادة رفع العلم الكويتي على المنشآت والمرافق وكتابة شعارات جديدة بمجرد حلول الظلام.
خسائر يومية
ومع ازدياد العصيان المدني الكويتي ضد قوات الاحتلال العراقي زاد حجم المقاومة الشعبية الكويتية وبدأت القوات العراقية الغازية تشعر بالخطر الذي يحدث بها ويهددها لذلك كانت تتواجد في السابق في المناطق السكنية لكنها مع ازدياد حجم المقاومة صارت تهرب الى ضواحي المدينة نظرا للخسائر الكبيرة التي تتكبدها على ايدي عناصر المقاومة الكويتية.
وعلى مدى الايام الاولى للاحتلال كان يسقط من افراد القوات العراقية ما لا يقل عن 20 قتيلا يوميا بخلاف الذين يسلمون انفسهم للمواطنين الكويتيين والسلطات السعودية على الحدود هاربين من جحيم المقبور صدام.
وفي 21 اغسطس نفذ رجال المقاومة الكويتية عملية جريئة حيث نصبوا كمينا لاكثر من 25 سيارة محملة بالوقود على طريق الدائري السابع جنوب مطار الكويت الدولي حيث تمركزت بعض القوات العراقية وقد اسفرت هذه العملية عن مقتل حوالي 20 جنديا عراقيا اثر انفجار 13 سيارة محملة بالوقود مما ادى الى تدمير 4 دبابات وناقلة جنود كانت تقف بجانب الطريق وذكر ان اثنين من رجال المقاومة الكويتية قد استشهدا خلال هذه العملية.
من جهة اخرى، تم احراق دبابة عراقية وتدمير ناقلتي جنود وذلك ضمن نشاطات المقاومة الكويتية ضد قوات الاحتلال الغاشم.
وفي 22 اغسطس تمكن رجال المقاومة من تدمير ثلاث آليات عراقية واحراق دبابة في احدى المناطق وخاصة بعد زيادة تنسيق الجهود بين مختلف قطاعات وفرق المقاومة الكويتية.
وفي احدى الجمعيات التعاونية تعمد 4 من جنود ما يسمى بالجيش الشعبي، اهانة المواطنين والتعدي عليهم، فلم يتمالك شاب كويتي (18 سنة) اعصابه واخرج مسدسا من طراز «كولت» واطلق رصاصاته على الجنود وقتل احدهم، قبل ان يسقط شهيدا برصاصهم.
وفي منطقة اخرى، احرقت المقاومة 3 دبابات عراقية ودمرت حاملة جنود وتمكنت من اسر عقيد عراقي بعد قتل 3 جنود كانوا يرافقونه، واعلنت المقاومة ان هذه المنطقة محرمة على المحتلين.
وفي اطار نشاط اعمال المقاومة ضد قوات الاحتلال العراقي، وافراد الجيش الشعبي قام رجال المقاومة بتفجير «باص عراقي» وقتلوا كل من فيه، وكان الباقي ضمن قافلة تضم خمس شاحنات محملة بالخمور لبيعها في الكويت.
وشوهد حوالي 35 دبابة عراقية وناقلات جنود معطوبة في احدى ضواحي الكويت، ولوحظت قلة اعداد سيارات الاجرة العراقية في الكويت بعد ازدياد نشاط رجال المقاومة في ملاحقة وقتل سائقيها، حيث قام اثنان من رجال المقاومة باطلاق النار على سائق تاكسي عراقي بعد ان برر دخوله الى المنطقة بأنها احدى المناطق العراقية، وفي مكان آخر تم انزال سائق سيارة اجرة عراقي بعد ايقافه وحرقت سيارته وشوهدت 12 جثة عراقية لسائقي سيارات اجرة على عدة طرق سريعة كانت سياراتهم محملة بالمسروقات.
إسقاط الطائرة العراقية
احدى اهم العمليات التي نفذتها المقاومة هي اسقاط طائرة الجامبو العراقية التي كانت تقل ما يزيد على 160 ضابطا في الجيش العراقي.
واستخدمت المقاومة في اسقاط تلك الطائرة صاروخ سام 7 واطلقته من فوق احد المنازل القريبة من مطار الكويت، بعدها اعلن طارق عزيز في التلفزيون العراقي نبأ اغلاق مطار الكويت نهائيا لاسباب فنية، عندها اجبرت المقاومة الجيش العراقي على استخدام الطريق البري في تنقلاته. المقاومة الكويتية هي الوحيدة في العالم التي قامت باسقاط طائرة.
تصاعد المقاومة
ومع تلاشي الاحساس بالصدمة بدأ الكويتيون يعودون الى الديرة بعد الهجرة الاجبارية التي اضطروا اليها للخروج بأولادهم وبناتهم وزوجاتهم وأهلهم من الكويت بعد ان اخذ ازلام النظام العراقي ينكلون بهم وبحرماتهم، ومن جديد عاد الرجال والشباب الى الديرة الغالية للانخراط في صفوف المقاومة وليدافعوا عن تراب الوطن بكل غال ونفيس، وقد شهد الاسبوع الأخير من اغسطس 1990 تدفقا هائلا على الحدود الكويتية ـ السعودية من الكويتيين، وبعد هذا التطور اخذت حركة المقاومة الشعبية الكويتية تتصاعد وتأخذ أشكالا مختلفة، وأشارت عدة مصادر موثوقة الى ان عددا من أسرة الصباح يقودون ويعملون في خلايا المقاومة الوطنية التي تنطلق من مبادئ ثابتة تهدف الى إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالمحتلين.
وذكر ان المقاومة اخذت تصعد عملياتها وبدأت تستولي على أسلحة الأسرى العراقيين لاستخدامها في العمليات الفدائية.
كما شكلت المقاومة لجانا مدنية في مختلف المناطق لتوزيع الأغذية والاحتياجات اليومية على المواطنين والمقيمين، واخذت هذه اللجان تنسق بين بعضها البعض وبين قيادة المقاومة الموجودة في الخارج، وساهمت المرأة الكويتية بدور رائد ومهم في أعمال المقاومة، حيث قامت السيدات الكويتيات بأعمال الاسعافات الأولية لجرحى المقاومة الكويتية، واخفاء عناصرها في البيوت وإجراء الاتصالات الخارجية بين عناصر المقاومة وقياداتها في الخارج ونقل المعلومات المهمة عن الأوضاع في الداخل للحكومة الكويتية في المنفى.
الكويت مقبرة
للغزاة وخلال الأسابيع القليلة التي اعقبت الاحتلال العراقي الغاشم للكويت اقضت حركة المقاومة الشعبية الكويتية مضاجع المحتلين وأربكت حركتهم داخل مناطق الكويت، وبالرغم من ملاحقة اجهزة المخابرات العراقية لأفراد حركة المقاومة الشعبية ومطاردتهم، الا ان اعمال المقاومة تصاعدت بشكل كبير، وتعهدت الحركة بأن تجعل الكويت وأرضها مقبرة ومحرقة لنظام المقبور صدام حسين وقواته الغاشمة.
في الوقت الذي نفذت فيه خلايا المقاومة عمليات بطولية جديدة في عدة مناطق داخل الكويت، حيث قام احد الشباب من خلالها بعملية استشهادية اقتحم فيها شاحنة عراقية عسكرية محملة بالعتاد والذخيرة بسيارته الملغمة وفجر الشاحنة وقتل طاقمها وكان عمر الشهيد 20 عاما، كما قامت احدى المجموعات التابعة لحركة المقاومة بشن هجوم مسلح على حديقة الصباحية جنوبي مدينة الكويت، التي تتخذ منها قوات الاحتلال العراقي مقرا لاستراحة قواتها المنتشرة في المنطقة.
وقد أسفر الهجوم عن مقتل 9 من الضباط والجنود الموجودين في الحديقة وجرح عدد كبير منهم وتدمير احدى الآليات العسكرية.
دعم مستمر للمقاومة
كان من أسباب استمرار المقاومة الكويتية بنفس الحماس والزخم الدعم المستمر من الحكومة الكويتية في المنفى والتنسيق بين قيادتها في الداخل والخارج وانضمام العديد من العسكريين الذين كانوا يمضون اجازاتهم في الخارج اثناء الاحتلال للمقاومة الوطنية بعد عودتهم الى الكويت عن طريق الحدود السعودية.
وقد أكد ذلك الشيخ صباح الأحمد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية (وقتها) في تصريح صحافي له 27 اغسطس 1990، حيث قال ان حوالي 2500 عسكري كويتي ممن كانوا في اجازات خارج البلاد قبل الاحتلال العراقي، وعادوا الى وحداتهم خارج الأراضي الكويتية، سيتم انضمامهم سريعا الى وحدات وخلايا المقاومة بالداخل في مواجهة قوات الاحتلال العراقية.
من ناحية اخرى، تمكنت احدى خلايا المقاومة الوطنية من تدمير 5 دبابات عراقية وقتل 23 عسكريا بينهم 3 ضباط كبار احدهم برتبة نقيب، والثاني برتبة رائد.
وقال مسؤول في خلية مقاومة اخرى ان خليته قتلت ضابطا برتبة عقيد في منطقة اخرى. وفي منطقة الصليبية تمكنت حركة المقاومة من قتل 18 جنديا من قوات الاحتلال.
وقال احد افراد المقاومة في اتصال هاتفي مع «الأنباء» آنذاك ان الخلية الفدائية تابعت مجموعة من جنود الاحتلال كانوا يستقلون سيارة عسكرية صغيرة وكانت في طريقها للخروج من الصحراء عن طريق الصليبية وداهموها بالرشاشات، ومن ثم صعدوا اليها بعد اصابة سائقها ومن فيها وأجهزوا على بقية ركابها من المحتلين وقتلوهم جميعا، وعادوا الى قواعدهم خلال دقائق قليلة قبل ان تتمكن قوات الاحتلال من الوصول الى موقع الحدث، وذلك في الاطار التكتيكي الذي اتبعته خلايا المقاومة الوطنية الكويتية وهو «اضرب واهرب» الذي حقق نتائج باهرة وألحق خسائر فادحة في صفوف قوات المحتل الآثم.
كما صعدت المقاومة عملياتها لتذكير العالم أجمع بالاحتلال العراقي الغاشم للكويت. فقامت بتنفيذ عدة عمليات في مختلف المناطق. وقد أودت عملياتها بحياة العديد من العسكريين العراقيين.
فقد قامت عناصر احدى الخلايا التي كانت في سيارتين مدنيتين بمفاجأة مجموعة حراسة عراقية وأطلقوا عليها قذيفة صاروخية فيما استمر تبادل اطلاق النار حوالي خمس دقائق سقط خلاله أربعة جنود عراقيين بين قتيل وجريح، فيما أصيب احد الأبطال الفدائيين بجروح، وتمكن رفاقه من نقله الى مكان آمن.
كما تمكنت مجموعة ثانية للمقاومة كمنت أمام رصيف جامعة الكويت، وأطلقت قذيفة صاروخية على شاحنة عراقية عسكرية محملة بالذخيرة وأعقبوها بإطلاق نار من أسلحة رشاشة أدى الى احتراق الشاحنة.
منور الظفيري أول شهيد في حرب التحرير
الشهيد منور الظفيري?
عندما وقع الغزو العراقي على الكويت كان الشهيد منور الظفيري في موسكو بصحبة شقيقه الأصغر الذي كان بصدد إجراء عملية جراحية لإحدى عينيه هناك، وما ان سمع الشهيد بخبر الغزو حتى قطع رحلة العلاج وألغى العملية المقرر إجراؤها لأخيه وحجز على أول طائرة تتجه إلى المنطقة. وبعد رحلة استغرقت اسبوعين كان الشهيد الظفيري على الحدود الكويتية ـ السعودية حيث التقى بزملاء السلاح.
وما ان وصل الشهيد الى الاراضي السعودية حتى التحق بنفس عمله السابق في قاعدة الملك خالد بحفر الباطن، ولكن كيف يعود لعمله كإداري والوطن يرزح تحت نير الاحتلال وأبناء الكويت يواجهون الخطر واحدا تلو الآخر وكيف يلذ النوم وترتاح النفس والكويت أسيرة، لذلك طلب الشهيد تحويله من إداري في قاعدة الملك خالد الى مقاتل في الخطوط الامامية على جبهة القتال حيث عين آمرا لإحدى مدرعات لواء الشهيد ـ الكتيبة الثانية.
وبدأت حرب تحرير الكويت من العدوان العراقي.. وأخذت اسراب الطائرات الحربية تدك معاقل الغزاة لتحيل نهارهم الى ليل ويزداد حماس جنودنا البواسل يوما بعد يوم ويبلغ حنينهم لوطنهم الكويت ذروته.
وفي صباح يوم 24 فبراير 1991 صدرت الأوامر للواء الشهيد بالتقدم والاستعداد للمعركة البرية، غير ان تقدمه توقف مساء من جراء إشعال النيران في البترول الذي وضعه جنود الاحتلال في خندق يمتد على طول جبهة القتال.
وفي صبيحة يوم 25 فبراير «يوم العيد الوطني المجيد» كانت جنازير مدرعات لواء الشهيد تتسابق وتتقدم نحو العدو المرتعد الفرائص، وإذا بأبطال لواء الشهيد في رحاب أرض الوطن وفي قلب المعركة وجها لوجه مع جنود الغزاة الذين كثفوا من قصفهم المدفعي تجاه اللواء مما أخر من تقدمه، ولكن جنودنا لم يقفوا مكتوفي الأيدي بل أخذوا يتغلغلون خلال القصف حتى وصلوا إلى حقول الألغام.
وبين قصف مدفعية العدو وانفجار حقول الألغام دوى صوت انفجار في إحدى مدرعات لواء الشهيد المتقدمة.. وكان الصوت قادما من مدرعات الشهيد الظفيري.. فهرع زملاؤه للاطمئنان عليه ليجدوه مضرجا بدمائه الزكية ومحتضنا ارض وطنه بعد فراق دام سبعة اشهر وهو في رمقه الأخير حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.. وما هي إلا ساعات حتى انشد الجميع اهزوجة النصر والتحرير التي صاغها الشهيد منور الظفيري بدمائه الزكية.
وتشارك الظروف في تكريم الشهيد داخل ارض الوطن المحررة من براثن العدو حيث تقدمت مدرعات لواء الشهيد وحسب الخطة المرسومة باتجاه منطقة الفردوس التي تسكنها اسرة الشهيد تطارد فلول الغزاة والخونة والعملاء.. وتمركزت إحدى المدرعات أمام منزل اسرة الشهيد وكأنها تبارك شهادته وتشارك اهله النصر والتحرير.
وهناك في الخطوط الخلفية، حيث مقبرة الشهداء في حفر الباطن تم دفن الشهيد منور الظفيري وحيدا في مقبرة القوة الكويتية إذ يعتبر اول شهيد في القوات العربية المشاركة في حرب التحرير.
قم بكتابة اول تعليق