قبل ثلاثة أيام, كتب عميد الصحافة الأستاذ أحمد الجارالله افتتاحية غاية في الأهمية, أيد فيها فرض الضرائب وزيادة الرسوم ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات, ولكنه قرن ترحيبه بهذا الإجراءات بجملة من الأفكار والمقترحات المهمة التي أرى أنها تستحق أن تكون محل بحث ودراسة وتحت نظر أصحاب القرار ممن يدفعون بهذا الاتجاه. بالنسبة لي, أرى أن لا مفر من تطبيق فرض الضرائب وزيادة الرسوم ورفع الدعم عن كثير من السلع والخدمات العامة, إن عاجلا أو آجلا سيتم تنفيذ هذا الأمر, إذ لا يمكن منطقيا أن تستمر الدولة في تقديم خدماتها بالمجان – أو برسوم زهيدة – لنحو خمسة ملايين مواطن ومقيم, وهي تعتمد في عيشها على مورد وحيد وناضب… منطقيا, لا يستقيم هذا!
ومع ذلك, فالأمر لا يخلو من وجهات نظر كفيلة بنسف الفكرة من جذورها, ليس لأن فرض الضرائب وزيادة الرسوم ورفع الدعم يواجه بمعارضة شعبية واسعة كما هي الحال في جميع دول العالم – وإنما لأن الخدمات التي تقدمها الدولة لا تستحق أن تكون بمقابل, نظرا الى سوء وتردي وتخلف هذه الخدمات أو معظمها حتى نكون منصفين. لذلك, فإن على الدولة أن ترتقي بهذه الخدمات أولا, ومن ثم لتفكر بفرض الضرائب.
من جانب آخر, هناك جملة من الإجراءات التي تدخل في خانة زيادة الرسوم يمكن للدولة الولوج من خلالها من دون أن تواجه بمعارضة تذكر, ومنها, زيادة غرامات مخالفة قوانين المرور, إذ لا أتصور أن عاقلا سيعترض على زيادة غرامة مخالفة السرعة إلى 1000 دينار, أو 2000 دينار للمجنون الذي يكسر الإشارة الحمراء!
كما لا يستقيم, أن تكون رسوم الكهرباء التي تقدمها الدولة لـ “المولات” التجارية, هي الرسوم ذاتها التي تتقاضاها من المواطن البسيط في سكنه الخاص, خصوصا وإن أحد هذه “المولات” يفوق استهلاكه للطاقة الكهربائية معدل استهلاك ثلاث مناطق سكنية مجتمعة. غير هذا, وأهم منه, أن الدولة التي تفكر بالضرائب لزيادة دخلها, لم تتصرف بمسؤولية وبشكل يوحي للمواطن أنها جادة في تحصيل مئات الملايين من الدنانير المتراكمة منذ سنوات, وهي رسوم بات معظمها في حكم الديون المعدومة! أنا كمواطن, كيف لي أن أشعر بحاجة الدولة الى الرسوم المتراكمة علي, وفي كل مناسبة وطنية أو دينية تصلني رسالة هاتفية من وزارة المواصلات, تبشرني فيها بأن الوزارة أرجأت تحصيل الرسوم إلى ما بعد شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات!
عفوا, رمضان “شكو” برسوم الخدمات الهاتفية? رمضان شهر الصوم والطاعات وليس شهر التوقف عن دفع رسوم الخدمات, وكان من باب أولى أن تحضنا وزارة المواصلات وغيرها على استغلال الشهر الفضيل لدفع الرسوم المتأخرة, لأنها ديون في ذممنا وأعناقنا, ومن واجب المسلم أن يؤدي ما عليه, لا أن يصوم ويقوم الليل ويصلي في المسجد الكبير خلف الشيخ العفاسي ودموعه تصب “أربع أربع” من شدة الإيمان وحلال الدولة في بطنه… “Sorry” يا جماعة, “بس” وزارة المواصلات فاهمة رمضان غلط! عموما, هذا نموذج حي وطازج يبين لنا عدم جدية الدولة, ولو كانت غير ذلك, لما قدمت يوم الأحد على يوم السبت, فالتدرج والحزم في تحصيل حقوق الدولة, سيسهل مهمة إقرار الضرائب مستقبلا بعد تحسين الخدمات.
salehpen@hotmail.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق