إبراهيم العوضي: حدّثوا العاقل بما يعقل

التصاريح الحكومية المتكررة عن فرض الضرائب والرسوم على الخدمات المختلفة ما هي إلا وسيلة من وسائل قياس نبض الشارع وتفاعله تجاه تلك المقترحات الحكومية التي بدأت شخصيا أتيقن بأنها تعيش في حالة انفصام شخصية بين حكومة معطاءة ومانحة تغدق على مواطنيها المنح والزيادات والكوادر وما يصاحبها من تصاريح على وزن (أبشروا يا أهل الكويت) وبين حكومة أخرى تدعو الى مزيد من التقشف واتباع سياسة (شد الأحزمة) وترشيد الانفاق لمواجهة أي تعثر مستقبلي في أسعار البترول أو أي ارتفاع في حجم المصروفات التي بدأت تتضاعف بشكل جنوني خلال الأعوام الأخيرة الماضية.
حدثوا العاقل بما يعقل، فقبل الخوض في فرض الرسوم على الخدمات الحكومية، هل فكرت الحكومة ولو قليلا بهذه الخدمات ومدى التردي والترهل الذي وصلت إليه؟ هل درست الحكومة مثلا انحدار مستوى التعليم وضعف الكادر التدريسي وسوء الادارة المدرسية الفاعلة وما الى تلك الأسباب التي جعلت المواطنين يهربون الى التعليم الخاص؟ هل تابعت الحكومة مثلا حالة المرضى وما يعانونه أثناء تلقيهم العلاج في المستشفيات الحكومية؟ فالانتظار لتحاليل معينة يحتاج الى أشهر، ومرضى ينامون أياماً عديدة في غرفة الطوارئ الطبية وذلك لعدم وجود أي سرير في الأجنحة العمومية أو الخصوصية، وسوء تقدير العلاج كذلك ساهم في وفاة مواطنين كثر والقائمة تطول أكثر وأكثر. ثم، هل قامت الحكومة بمراجعة دوائرها المختلفة وتابعت طريقة وأسلوب تقديم خدماتها حتى تفكر في فرض الرسوم والضرائب؟ شخصيا، أنا لا أمانع من دفع تلك الرسوم اذا كان مستوى الخدمات ونوعيتها بما يتناسب ويتساوى مع تلك الدول التي تفرض رسوما على خدماتها، أما أن يستمر الحال على ما هو عليه فنقول لصاحب المقترح (يفتح الله).
مشكلتنا في الكويت، أن المواطن البسيط هو من يتحمل دون غيره تبعات سوء الادارة الحكومية. ستون عاما وأكثر من اكتشاف النفط وما زال وحده متربعا على اجمالي الناتج المحلي بنسبة تزيد على 90 في المئة دون أن تبذل الدولة أي عناء من استثمار أموالها في مشاريع تنموية داخليا وفي تشجيع القطاع الخاص وخلق بيئة استثمارية جاذبة وفتح المجال أمام المستثمر الأجنبي وتشجيع قطاع التصنيع وفي الدخول في استثمارات عالمية مدرة أو ذات عوائد جيدة وغيرها من الفرص التي تساهم في تنويع مصادر الدخل. فبعد سبات عميق، صحت الحكومة لتجد نفسها أمام مأزق مستقبلي قد يواجه الميزانية العامة وما قد يصاحبها من ارتفاع في حجم المصاريف مقارنة في حجم الايرادات. ولعل ما يزيد الأمر عجبا، أنه في اليوم الذي يصرح فيه وزير المالية عن توجه الحكومة في فرض الرسوم على الخدمات الحكومية لاشراك المواطن في تحمل أعباء الدولة المتزايدة، نجد ان الحكومة نفسها توقع اتفاقية مع احدى الدول الشقيقة تقوم على أساسها الكويت بتقديم منحة لتلك الدولة على مدى خمس سنوات مقبلة.
ختاما، لو كانت الحكومة بالفعل جادة في اشراك المواطن في تحمل أعباء مصروفاتها، لكان الأجدى بها تحصيل المبالغ المالية المتأخرة والمستحقة على شركات القطاع الخاص وعلى بعض المواطنين مقابل الخدمات الحكومية المختلفة والتي نشرت تفاصيلها أخيرا ضمن تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية الحالية علما بأن فواتير الكهرباء والماء وحدها شكلت أكثر من نصف هذا المبلغ، ولكن واقع الأمر يقول لا حياة لمن تنادي!

Email: boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.