أخذ مني ضابط الهجرة الأمريكي جواز السفر في مطار «سكرمنتو» بكاليفورنيا.. وراح يتأمله من الشمال لليمين ومن اليمين للشمال، بعض الوقت.
كنت في رحلة داخل الولايات المتحدة، ولا مجال، كما قلت لنفسي، ان يبدي اي رجل أمن ملاحظة على تأشيرة السفر او التدقيق في الاسم او غير ذلك، بعد ان غربل مطار نيويورك كل تلك التفاصيل.
غير أن ضابط الهجرة سرعان ما ابتسم وقال لدهشتي، «هذه أول مرة ارى فيها جواز سفر كويتي ومسافراً من الكويت يحمله!» ثم اضاف: «ان للكويت مكانة خاصة في نفسي، بعد ان تجاوبت مع محنتنا بعد كارثة كاترينا التي ضربت بلادنا، وتركت فيها دماراً هائلاً، وكانت الكويت الدولة الوحيدة التي تبرعت لنا بمبلغ ضخم للمساعدة، بلغ خمسمائة مليون دولار».
قرأت اخيراً في صحيفة الشرق الأوسط، 2013/2/19، ان نظام المدارس الحكومية في مدينة «جوبلين» بولاية ميسوري، قد تلقى بعد مرور اسبوعين على مرور احد الاعاصير المدمرة بالمدينة، ترك كالعادة خراباً واسعاً وضحايا، مكالمة هاتفية من رجل يعمل في سفارة دولة الامارات العربية المتحدة في واشنطن. قال ذلك الرجل: «قل لي ما الذي تحتاجون اليه؟».
لقد تهدمت ست مدارس تشمل المدرسة الثانوية الوحيدة في المدينة بفعل هذه الكارثة في مايو 2011. وسوف يشمل التأمين تشييد أبنية جديدة لكن المسؤولين الاداريين كانوا يسارعون نحو تعويض الكتب التي تلفت.
الرجل المتصل من سفارة الامارات عرض عليهم وجهاً من وجوه الكرم العربي الاماراتي متبعاً سياسة.. «بل تمنَّ يا عنتر!» فعوضا عن التركيز على الكتب، اراد الموظف بالسفارة منهم ان يتطلعوا الى ما هو اكبر من ذلك، لذا اقترح مدير التنمية في نظام المدارس اكثر الخطوط طموحا خطرت بباله، وهي التخلص من الحاجة الى الكتب الدراسية الخاصة بالمرحلة الثانوية المتراكمة على الارفف منذ عامين لعدم امتلاك اي شخص، ولا نظام المدارس المفلسة، ولا ولاية ميسوري نفسها، ولا حتى الجمعيات الخيرية المحلية المال الكافي لتوفير جهاز كمبيوتر لكل طالب. اما اليوم، تقول الصحيفة، فيمتلك نحو 2200 طالب في المرحلة الثانوية في مدينة «جوبلين» كمبيوتر محمول «ماك بوك»، بفضل المساعدة الاماراتية حيث يستخدم الطلبة هذه الاجهزة في تلقي دروسهم وعمل واجباتهم المدرسية واداء الاختبارات كما تنفق دولة الامارات في انحاء المدينة خمسة ملايين دولار في بناء «وحدة رعاية فائقة» لحديثي الولادة في مستشفى «ميرسي» الذي دمره الاعصار.
ولدى دولة الامارات خطة طموحة بهدف مساعدة بعض الاوساط والمناطق الفقيرة في الولايات المتحدة وقد صرح السفير الاماراتي يوسف العتيبة ان حكومة الامارات دفعت المال لتزويد ملاعب كرة القدم بنخيل صناعي تصلح للعب خلال جميع الفصول في الاحياء الفقيرة في نيويورك ولوس انجلوس وميامي وشيكاغو، وتعتزم السفارة بناء ثلاثة ملاعب اخرى خلال العام الحالي، وساعد السفير نفسه خلال عام 2009 في تسهيل منحة بقيمة 150 مليون دولار الى المركز الطبي الوطني للطفولة في واشنطن، لدعم الابحاث في مجال جراحة الاطفال.
تقديم مثل هذه المساعدات وغيرها في الولايات المتحدة والبلدان المتقدمة الثرية، ستوثق علاقات الدول الخليجية والعربية الاخرى بهذه البلدان، ولا ينبغي ان يزايد البعض بالقول بأن الدول العربية اولى بهذه المساعدات، فلكل نوع من المساعدات دوره ومجاله، وعندما خصص الملياردير الامريكي «بيل جيتس» واخرون عشرات المليارات لاعمال البحث العلمي ومكافحة الأوبئة ومحاربة الفقر، ولم يوجهوا تلك المبالغ الى فقراء الولايات المتحدة ومرضاها كما ان المساعدات الأمريكية التي تدفع لدول وشعوب العالم منذ عشرات السنين تخرج من جيوب الشعب الأمريكي الذي يدفع الضرائب لحكومته بانتظام.
نحن بحاجة لأن تدخل الجمعيات الخيرية العربية والاسلامية كذلك هذا المجال، وان تعلن سياسة ذكية طموحة عصرية تحدث تغييراً نوعياً في نشاطاتها!.
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق