من الأمور المثيرة للاستغراب في الكويت تلك المتعلّقة بالتعامل مع العاملين من الكويتيين الذين يتجاوزون الخامسة والستين من أعمارهم. بين فترة وأخرى يقرأ المرء خبراً في الصحف بأن مجلس الخدمة المدنية بصدد حصر أولئك العاملين الذين أمضوا في الخدمة ثلاثين عاماً، تمهيداً لإحالتهم إلى التقاعد، أو أن يرفع أحدهم قضية في المحاكم، مطالباً بإحالة الأساتذة والمدرسين في الجامعة أو المعاهد العليا ممن تجاوزوا الخامسة والستين إلى التقاعد.
بداية، يجب أن نبيّن أن من قضى ثلاثين عاماً في الخدمة المدنية ربما يُعين، في المتوسط، وهو في الخامسة والعشرين، بما يعني أنه بعد خدمة ثلاثين عاماً أصبح في الخامسة والخمسين، فهل يعقل أن يحال من في هذا العمر إلى التقاعد دون تثمير خبرته العملية، إن وجدت، في تطوير أعمال دائرته أو مؤسسته التي يعمل فيها؟ ثم هل تم احتساب التكاليف الناتجة عن هذا التقاعد المبكر على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ؟ أهم من ذلك أن العمر الافتراضي في الكويت يقارب، الآن، الثمانين عاماً للذكور، وربما أكثر قليلاً للنساء، بما يعني أن التكاليف من التقاعد ستكون مرتفعة خلال السنوات المقبلة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن إمكانيات التقاعد المبكر للنساء متاحة بعد بلوغ الأربعين عاماً.
تظل مسألة التقاعد المبكر واحدة من مسائل عديدة في إدارة البشر في الكويت، بما يتطلب تطوير المنظومة الثقافية المتعلّقة بهذه القضية المحورية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الكويت بلد يعتمد على عمالة وافدة بشكل هيكلي إلى درجة أن أصبح عدد سكان البلاد 3.8 ملايين نسمة، لا يزيد الكويتيون في هذا المجتمع السكاني على 1.2 مليون نسمة، أي بنسبة 31.5 في المائة. يضاف إلى ذلك أن الكويتيين لا يمثلون سوى 16 في المائة من إجمالي قوة العمل، وهؤلاء الكويتيون يتكدسون في الدوائر والمؤسسات الحكومية والعامة، وفي معظم الأحوال على شكل بطالة مقنّعة واضحة. إذاً، كيف السبيل إلى معالجة إشكالات التنمية البشرية في ظل واقع تكرس على مدى ستين عاماً، نتيجة لسياسات فلسفة الرعاية والرفاه وقيم الاقتصاد الريعي؟
ما هو مثير للاهتمام أن العمر المتوسط (Median age) في الكويت يقارب العشرين عاماً، أي أن نصف عدد السكان الكويتيين هم من الذين تقل أعمارهم عن العشرين. هذه حقيقة تؤكد ضرورة الاهتمام بتوظيف الموارد البشرية بموجب معايير مختلفة، لتعزيز المشاركة الفعّالة في سوق العمل، وتطوير آليات التعليم لتحسين القدرات بين المواطنين من صغار السن، لتمكينهم من شغل مختلف الوظائف والمهن والأعمال على مدى السنوات والعقود المقبلة، والارتقاء بقدراتهم الإنتاجية. أما كبار السن، فإن المطلوب هو توظيف إمكانياتهم في تحسين نتائج المؤسسات التي يعملون بها وتقديم المشورة والخبرات للشباب. أما التقاعد، فلا بد من إعادة النظر بشأنه، خصوصاً أن الكثير من البلدان تقيس المسألة من حيث التكاليف التأمينية، وخسارة الخبرات المتراكمة بعد التقاعد غير المواتي.
عامر ذياب التميمي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق