ناصر العبدلي: حراس المال العام

هناك انتقائية غير مسبوقة تخيم على المشهد السياسي، خاصة بعد تحرير البلاد من براثن الغزو العراقي في الثاني من أغسطس عام 1990، فما سبق تلك المرحلة يختلف اختلافا جذريا عما أتى بعدها، ففي تلك المرحلة كان الشارع السياسي ينقسم إلى قسمين، إما أن تكون حكوميا وإما أن تكون معارضا، وحتى الحكومي في ذلك الوقت يختلف عن الحكوميين بعد التحرير.
منذ تحرير البلاد والساحة انقلبت رأسا على عقب، فبعدما كان الصراع بين الخير والشر أصبح فعليا بين الشر والشر، والخير انزوى في زاوية بعيدا عما يجري، فقد كان المتجاوزون على المال العام، وكانت تجاوزات لا تكاد تذكر مقارنة بما يجري الآن على الساحة، يختبئون من مواجهة الإعلام ويتهربون عند سؤالهم عن مثل تلك التجاوزات، أصبح الآن لديهم صحف وقنوات تلفزيونية وجرائد إلكترونية ويمارسون الردح على مرأى ومسمع من الجميع
دون خجل أو حياء.
أولئك اللصوص طوروا من إمكاناتهم ومواقعهم حتى تمكنوا من الحصول في مفارقة غريبة وغير مفهومة، حصلوا على صك شعبي بأنهم حماة المال العام وتحولوا من خلال «تكتيكات» و«أفلام هندية» إلى «مسطرة» يقاس من خلالها أي حراك وطني، فإذا كنت ضمن المجموعة التي خلقوها وسوقوها على المواطنين البسطاء فأنت «حر» و«مناضل»، أما إذا كنت خارج إطار هذه التركيبة فأنت متسلل ومشبوه، وهو ما يجري فعلا على الساحة إذا أمعنا النظر قليلا.
حراس المال العام الجدد، وهم فعلا ليسوا كذلك، أصبحوا يديرون حتى المؤسسات الرقابية ويدافعون عن قراراتها، وحتى الحكومة تخاف أن تواجههم فهم مدججون شعبيا وفي جيوبهم- كما يقولون- بالإضافة إلى أن المؤسسات الإعلامية بكافة تصنيفاتها وتنظيماتها على الساحة يحملونها شعارات من يراها, حتى وإن كان لأول مرة, يعرف أنها لا تتجاوز اليافطات التي كتبت عليها.
أي مشروع يطرح من جانب القطاعات الحكومية المختلفة ليس لهم فيه حصة أو فائدة، حتى ولو كان ذلك من خلال لي أذرع هنا أو هناك، وضعوا عليه دمغة فساد تحت مبررات مضحكة، والمصيبة أن أولئك ليسوا من بيوت تجارية معروفة بل هم طارئون على الساحة الاقتصادية ومع مرور الوقت تحولوا إلى «غول» يهيمن على كل مفصل من مفاصل البلاد, مما يدشن عهدا جديدا تدير جزءا كبيرا منه
الجريمة المنظمة.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.