خالد الجنفاوي: ربيع الاستبداد الديمقراطي

أعتقد أن ما يؤخر تكريس ممارسة ديمقراطية فاعلة في بعض المجتمعات العربية الناشئة ديمقراطياً هو استمرار استعمال أدوات وأساليب خطاب سياسي ماضوي ومحاولة بعض الناشطين الديمقراطيين العرب فرضها في سياق ديمقراطي معاصر ومختلف عما سبق. فإذا كان ثمة معضلة ديمقراطية فعلية في عالمنا العربي المعاصر فانها تكمن في عدوانية واستبدادية جزء معين من الخطاب “الديمقراطي” العربي وتناقضه مع معطيات عالمنا المعاصر. فلا يمكن لأحدهم استخدام أساليب خطابية عدائية وعنيفة للغاية لخلق مجتمع ديمقراطي متسامح يقبل مختلف الآراء ويستطيع جميع أعضاء المجتمع الشعور فيه بالأمن والأمان. بل أعتقد أن الحنق المتواصل في سياقنا الديمقراطي العربي وذلك التأزيم المستمر بين المعارضين الجدد يرجع الى تخلف طرق التفكير التي يستخدمونها وتناقضها الفج مع الاستحقاقات الفعلية للديمقراطية المتعارف عليها في عالم اليوم.
على سبيل المثال, تتميز الخطابات الديمقراطية الناجحة بشموليتها وبعدها عن الاستبداد بالرأي. فلا يمكن ان يتحقق مجتمع ديمقراطي ناجح نوعاً ما ما دام بعض الناشطين الديمقراطيين العرب نفسها يستخدمون الأدوات والأساليب الخطابية نفسها والتي استعملها أجدادهم وآباؤهم ضد الاستعمار الأجنبي. بمعنى آخر, ربما تطلب الوضع في السابق استعمال خطابات نارية وعدائية للغاية لمواجهة طغيان مستعمر أجنبي لم يكن ليذهب لو لم تتم مواجهته بدرجة عدائيته وطغيانه نفسها. ولكن في عالمنا العربي المعاصر من هم الأعداء ما لم يكن ذلك الرفض المترسخ والصارخ لثقافة الاختلاف وترسخ التخلف الحضاري وضعف التنمية الاقتصادية في المجتمع العربي التقليدي?
وبالطبع ما يرسخ العدوانية والاستبداد في الرأي ضد الشركاء الآخرين في العملية الديمقراطية هو استعمال طرق التفكير الماضوية الاقصائية نفسها وتوقع أنها سوف تكرس مجتمعاً ديمقراطياً شمولياً ! فلا يمكنك إقصاء الآخرين في المجتمع الديمقراطي, كما لا يمكنك توقع صمتهم وهم يشهدون تهميشهم المتعمد في العملية الديمقراطية الوطنية!
بل يصعب علي توقع تحول أي مجتمع معاصر إلى بيئة ديمقراطية في ليلة وضحاها وبخاصة ما دام يتم فيه التغاضي عن خطابات الكراهية ضد الأقليات العرقية والثقافية الوطنية. فالمفارقات التاريخية الفجة في سياق بعض ديمقراطيات الربيع العربي تكمن في ترسخ النفس الاستحواذي وعدوانية الخطاب السياسي والتي تبدو بانها تهدف بشكل أو بآخر للقضاء على المعارضين والذين يملكون- وفق المعادلة الديمقراطية- الحق في الإعلان عن معارضتهم من دون وقوعهم ضحية لسطوة وجبروت وتعنت, وإقصاء شركائهم الديمقراطيين الآخرين. فلعل وعسى.

* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.