تناولت بعض الصحف قبل أيام اقتراحاً بتخصيص فترات محددة من اليوم لاستقبال المرضى الكويتيين وأخرى لغير الكويتيين.. وفسّر البعض الموضوع بأنه عنصرية وأمر مخجل وغيرهما من الصفات السلبية.. وأنا أتفق مع محاربة أي عنصرية أياً كان شكلها وأسلوبها، لأننا في بلد احترام الحقوق والناس بكل أجناسهم وأديانهم.
ولكننا لو بحثنا في أسباب التفكير في هذا الاقتراح العنصري كما كتب البعض.. فقد نفهم السبب.. وهل الداعي إلى هذا بغرض فرض العنصرية بحق أم لأسباب أبعد ما تكون عن ذلك.. وهذا بنظري، أنا شخصياً، هو الأمر الوارد.. بمعنى أن من اقترح أو حتى فكر في الموضوع، سواء في وزارة الصحة أو خارجها كالمرضى مثلاً أو بعض الكويتيين.. لا بد أن يكون لهم أسبابهم.
ويلاحظ في مستشفياتنا أن من يعمل بها من الأطباء في أغلبيتهم من الجنسيات العربية وغير العربية.. وبما أننا في بلد استوطنت فيه الواسطة في كل زاوية وخرم شأنها بذلك شأن أي وزارة أخرى.. فقد انسحب ذلك جلياً وواضحاً في وزارة الصحة.. فبعض أو كثير من المرضى الكويتيين يشتكون من أن الأولوية في المستشفيات من حيث المواعيد والعلاجات تكون للجنسيات الأخرى حسب الدكتور المعالج.
هذه حقيقة لا يمكننا بأي حال من الأحوال نفيها.. بل نراها جلية واضحة في كل المستشفيات العامة والتخصصية.. وهذا سلوك بشري طبيعي في أي مكان يعاني غياب النظام.. فتحل الواسطة والخدمات الشخصية مكان العمل المنظم.
وكثيراً ما يلاحظ صرف أدوية بكميات كبيرة لجنسيات عربية وآسيوية من وراء الشباك، لمجرد أن هناك طبيباً من الجنسية نفسها يمهد له الطريق، حتى أن كميات الأدوية المهرّبة بقصد البيع بعد الحصول عليها مجاناً من مستشفيات الكويت تصادر في منافذ الحدود كما يتردد.. فالدكتور المصري يخدم المريض المصري.. والدكتور الهندي يخدم المريض الهندي، والكويتي لا يتردد في ذلك أبداً.. إلى جانب أن هناك ظاهرة تكويت كثير من الجنسيات الآسيوية عن طريق صرف أدوية بأسماء كويتية لها ملفات صحية، إلا أنها في النهاية تصرف للمرضى الآسيويين أو غير الكويتيين.
من الظلم أن نفرق بين مريض وآخر، لأن المرض لا يعرف الجنسية أو الدين.. والمريض يحتاج إلى العناية ذاتها من أي دكتور كان.. ولكن السؤال هل هناك نظام عمل يحفظ للمرضى الكويتيين حقوقهم في الحصول على عناية صحية كاملة في بلدهم الثري الذي يفترض ألا يحتاجوا فيه إلى السفر إلى أي بلد آخر، بحثاً عن العلاج المطلوب؟ هل يلاقون الاهتمام المطلوب كغيرهم من المرضى في ظل تفشي الواسطات كل حسب جنسيته؟
أنا شخصياً وأمام الملأ أقول إني كثيراً ما ألجأ إلى من أعرف من الجنسيات الأخرى للحصول على حقي في الاهتمام الصحي، لأنهم يوصلونني إلى الخدمة الصحية أسرع من كوني كويتية.. ولأنني أعرف أني سأركن في بعض الحالات وفي الجهات التي ينعدم فيها النظام.. ومن ثم لن أحصل على دوري كمواطنة بسبب كثافة عدد المرضى ومرتادي المستشفيات من كل الجنسيات لأنها مجانية أو بأسعار أكثر من رمزية.. ولأنني، أيضاً، أرى أمام عيني حالة الفوضى في الحصول على العلاجات المطلوبة وطوابير الانتظار لعمل الأشعات المطلوبة.
يبقى أن نعرف أن التقرير ربع السنوي لإدارة مراقبة الإحصاءات الصحية والحيوية في وزارة الصحة، أفاد أن عدد السكان في الكويت بلغ 3.719 ملايين فيما بلغ عدد الكويتيين منهم فقط 1.183 مليون كويتي، ولكم أن تتخيلوا كم التزاحم على الخدمات الصحية.. فمن الطبيعي أن يشعر الكويتي أنه لا يحصل على الخدمات المطلوبة بالمستوى المطلوب في بلده الذي ينفق مئات مئات الملايين في أكبر ميزانية لوزارة في الإنفاق العام للدولة.. وبمقابل ذلك، يضطر جزء كبير من الكويتيين إلى اللجوء إلى المستشفيات الخاصة للحصول على الخدمة الصحية المرضية من دون أي تعطيل أو مذلة.. وهو ما يردده الكويتيون في بلدهم.
إذاً الموضوع ليس موضوع عنصرية أو تعال.. لا أبداً.. إنه أبعد من ذلك.. فلم يناد أي كويتي أبداً بمنع الخدمات الصحية عن غير الكويتيين لأن الكويتيين أنفسهم لا يرضون بذلك.. ولكن على الأقل يشعرون بأنهم بوطنهم يحصلون على الخدمة المطلوبة.. لا أن يسلب هذا الحق منهم لانعدام النظام في المواعيد والانتظار، ولذلك فالواسطة تنخر في مستشفيات الكويت.. لا فيروس التمييز العنصري كما كتبت بعض الصحف.
***
يغادرنا بعد أيام السفير اللبناني بسّام النعماني بعد أن انتهت فترة عمله في الكويت.. وجدنا فيها كل التعاون والتجاوب مع أي ملاحظات تنقل اليه بشأن أعمال السفارة.. وبعض الصعوبات التي كنا نلاقيها من بعض الموظفين هناك لسبب أو لآخر.. كما أن سعادة السفير ساهم، أيضاً، في إيصال ملاحظات الكتّاب على بعض الممارسات المزعجة للسيّاح الكويتيين في لبنان، ويتولى متابعتها وملاحقتها، وهي تصب في إطار ترسيخ العلاقات المتميزة بين الشعبين الاخوين اللبناني والكويتي.. وإن لم يُحل كثير منها إلا أن ذلك ليس بيد السفير، وإنما الجهات المختصة في لبنان.. هذا هو بحق دور السفير الناجح.. فشكراً سعادة السفير، ويعوّضنا الله بسفير يتابع ما أنجزت، ويستمع إلى السيّاح الكويتيين ومشاكلهم في لبنان والتي ما زال كثير منها من دون حل.. لأن طبيعة العلاقات الثنائية بيننا غير عادية، ولا تقارن بأي علاقة أخرى لخصوصيتها.
إقبال الأحمد
iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق