خليل حيدر: العمل النسائي.. بعد نصف قرن

احتفاء الكويت ومؤيدي حقوق المرأة بالذكرى الخمسين لانطلاق الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية (2013-1963) لم يكن حدثا عاديا، لا لمجرد محورية المرأة في حياة اي مجتمع، ولا لحجم التحديات التي جابهت ولاتزال حياة المرأة وحقوقها في المجتمعات العربية والاسلامية فحسب، بل وكذلك لتنوع الاهداف الكبيرة التي وضعتها الحركة النسائية لنفسها، والتي تمتد الى سائر مجالات الحياة الاجتماعية، وتتجاوز المهام النسوية البحتة، فمن هذه الاهداف العشرة الواردة في الكتاب التذكاري الذي اصدرته الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، باعداد د.فاطمة عياد والسيدة فائزة العوضي، المساهمة في دعم العسرين وذوي الاحتياجات الخاصة، وزيادة الوعي بالعمل التطوعي ومساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية والحروب داخل وخارج الكويت.
هذا بالطبع مع متابعة الاهداف الاساسية في الدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وتوعية المرأة بقضاياها وخدمة المجتمع ومتابعة التطورات المحلية ورعاية الطفولة والامومة.
أُتيح للفتاة الكويتية التعليم النظامي والابتعاث للدراسة الجامعية الى مصر وغيرها في مرحلة مبكرة، مما أرسى الارضية المناسبة لظهور نخبة نسائية قيادية وكوادر نشطة في مجال حركة المرأة، وبدأت الصحافة الكويتية منذ أربعينات وخمسينات القرن تطالب بتعزيز مكانة المرأة واشراكها في الحياة العامة.
من اوائل هذه المقالات كما رصدها كتاب د.محمد حسن عبدالله «الصحافة الكويتية في ربع قرن»، جامعة الكويت 1974، مقال «حقوق الفتاة الكويتية» لهيفاء هاشم 1953، وعدة مقالات لغنيمة المرزوق ابتداء من 1952 مثل «المرأة والمجتمع»، «حرية المرأة» و«بأي ذنب قُيِّدت»، ومن هذه المقالات «انصفونا يا سادة» 1953 لفاطمة يوسف الغانم، ومقال لباسمة سعيد يعقوب عام 1955 «نحو تحقيق رغبات فتاة الكويت»، ومقال «الفتاة واثر التعليم» لحصة الغانم، ومن هذه المقالات مقال سليمان محمد العبدالوهاب 1953 بعنوان «المرأة الكويتية»، ومقال عبدالعزيز الغربللي «رفقا بربات الخدور» 1950، ومقال عبدالوهاب احمد الفهد «الفتاة الكويتية» 1952. ومن اقدم المقالات مقال في مجلة كاظمة بقلم «السيدة ب» بعنوان «الفتاة الكويتية ونصيبها من العلم»، نوفمبر 1948، ومقال بقلم «السيدة زينب» بعنوان «يا فتاة الكويت» في نفس العدد من المجلة، كما ظهرت مقالات اخرى عن «السفور» و«الاختلاط».
تعددت المحاولات النسائية والرسمية لتنظيم العمل الجماعي، ورغم بروز الكثير من المشاكل والاختلافات فان الحركة النسائية وجمعياتها حققت الكثير من الاهداف المرسومة والنجاحات وهكذا نالت المرأة ما كانت تصبو اليه في اكثر من مجال، بما في ذلك العمل البرلماني والوزاري، كما ان قوة العمل النسائية الكويتية اليوم من اعلى النسب في العالم العربي، غير ان العمل النسائي في اعتقادي، وكما يشعر به الكثيرون، امام عدة تحديات اليوم، لعل أبرزها:
1- تغير مطالب المرحلة، وتزايد الفجوة بين الاساليب والاطارات المعروفة منذ الاستقلال في العمل والحركة من جانب، ومناهج التحرك والاتصال الحديثة التي قد لا تناسب بعض القيادات.
2- العمل النسائي، في العديد من جوانبه «عمل سياسي»! ومثل هذا العمل يولد على الدوام مشاكل الاحتكاك والمنافسة والاختلاف والنفور والتخاصم فلا عجب ان رأينا على امتداد السنوات والعقود السابقة تجليات عديدة لكل هذا، حيث يشكل الانقسام في العمل النسائي وعدم الثقة المتبادلة بين بعض الاطراف احدى اكبر تحديات الحركة.
3- ظهرت الحركة النسائية قبل اكثر من نصف قرن، في بيئة صديقة للمرأة ومطالبها، في الكويت والعالم العربي، وقد انقلبت هذه البيئة وباتت مختلفة او معادية، وفي كل بلدان العالمين العربي والاسلامي ثمة صراع كبير بين مطالب المرأة العصرية وجماعات الاسلام السياسي. وفي الكثير من الاحيان يتفرع هذا النزاع الى «صراع سياسي» مع التنظيمات الاخوانية والسلفية ومختلف الجماعات، و«صراع اجتماعي» مع تنظيماتها النسائية او الافكار التي تروج لها «الهيئات الاسلامية».
4- تعمق الفجوة بين مكونات المجتمع الكويتي وصعوبة التواصل الحضري، القبلي من جانب، وامتداد الجمعيات النسائية عبر الحواجز القبلية والمذهبية، وتبدو الصعوبة في اعلى درجاتها في الاوساط القبلية، حيث لا تبرز نخب نسائية او رجالية تتبنى اهداف الحركة النسائية وتنشط في التوعية بها.
5- تراجع قيم العمل التطوعي العام، وهي من الضرورات الاساسية في نجاح العمل الجماعي والنشاط الاجتماعي، فالمعروف ان الدعم المادي والمالي لا يحل كل المشاكل والعصوبات في هذا المجال، ولابد من المثابرة والمتابعة وغير ذلك.
العمل النسائي اذن، بحاجة الى وسائل جديدة، وطرق مبتكرة ورؤى شاملة، كي ينجح في التفاعل مع كل هذه العوائق، ولاشك ان المسيرة التي امتدت نصف قرن حتى الآن.. ستتواصل.

خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.