تردي الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية «حتمية» لواقع الإدارة في البلاد، وهي المشكلة الحقيقية التي نعانيها جميعا، فالإدارة لم تكن يوما ما بمستوى التمويل والتجهيز الذي توفره الدولة لمثل تلك الخدمات، بل كان عاملا سلبيا في إظهار تلك الخدمات بالمظهر السيئ، رغم كل تلك الأموال التي توفرها الدولة، وما لم تتم إعادة النظر في البنية الحكومية بشكل كامل، وإنتاج مؤسسات صغيرة لتقديم الخدمات، فسوف تظل الأوضاع نفسها قائمة.
هناك مؤشرات يمكن الاستدلال بها من داخل البنية الحكومية لتسويق فكرة أن المشكلة ليست في أنها جزء من الحكومة، بل في عجزها عن توفير قيادات إدارية قادرة على إحداث تغييرات رئيسة.
فمثلا وزير الداخلية الأسبق، الشيخ محمد الخالد، فكّك الخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر ويشتكي منها إلى وحدات صغيرة في المناطق، وطوى ملف الشكوى من قطاعات وزارة الداخلية إلى الأبد، وكلما دخلت ديوانية من دواوين البلاد، فإنك لا تجد إلا إشادة بتلك الخطوة.
وزير الصحة الأسبق، روضان الروضان، أصدر قرارا بفتح العيادات الخارجية في الفترة المسائية لأجل المواطنين الكويتيين فقط، وهو ما ضرب عصفورين بحجر واحد، خفف من الاستئذان من الدوام في الفترة الصباحية، وأدى إلى تطوير خدمات وزارة الصحة، وأعتقد لو أن د.محمد الهيفي الآن أصدر قرارا بتفكيك خدمات الوزارة إلى وحدات صغيرة في المناطق السكنية، مثل التحليل والأشعة والسونار وتخطيط القلب بكافة أنواعها، لخفف إلى حد كبير من تجمّع المراجعين في المستشفيات.
حتى وزارات الكهرباء والماء والمواصلات والتربية، تستطيع أن تنقل جزءا كبيرا من خدماتها إلى داخل المناطق السكنية، وتحل بتلك الخطوة جزءا كبيرا من معاناة المواطن، وتعطي فرصة للقيادات الشبابية لإظهار تميزها وقدرتها على التطوير، وخصوصا أن التكنولوجيا المتطورة يمكن أن تكون جزءا من العملية، ومثل تلك القدرات لا تتوافر إلا للأجيال الجديدة، الأمر الذي تعجز عنه بعض
القيادات الحالية.
مدير أحد المستوصفات عندما اقترحت عليه أن يضع رقم بريده الإلكتروني على مدخل مكتبه لأي شخص لديه شكوى من الخدمات في ذلك المستوصف، رد عليّ بأنه لم «يركّب»، وقصده لم ينشئ، «إيميلا» حتى الآن، وعندما سألته: ومتى ستفعل؟، قال إن الإدارة وعدته بتجهيزه خلال شهر!
فهل من الممكن أن ننتظر من مثل تلك القيادات أن يطوروا خدمات أو تعمل القطاعات التابعة لهم بالشكل الصحيح؟
فعلا، هناك حاجة ماسة إلى «غربلة» كاملة للقطاعات الحكومية، بدءا من الهياكل حتى معايير تعيين القيادات.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق