وليد الجاسم: يالحجرف.. الشقّ عود

أستغرب كثيراً من إصرار بعض المدرسين والمدرسات على انتهاج أساليب غير تربوية منها الضرب والشتم والتهديد والترويع في تعاملهم مع الطلاب، سواء كانت هذه الأساليب لأغراض العقاب أو التحفيز. فهذا الأسلوب عفى عليه الزمن ولم يعد مقبولاً ولا مستساغاً، بل هو أسلوب مرفوض انتهاجه اليوم حتى مع المجرمين، فما بالك بأطفال في عمر الزهور.
لا أعرف ما هو شعور المدرسة التي ضربت الطفلة «ضربة خفيفة حسب المتداول الآن»، والتي توفاها الله بعد الضربة. وسواء كانت تلك الضربة هي المتسببة بوفاة الطفلة أم لا، إلا أن المؤكد ان المدرسة ستعاني من شعور عظيم بالذنب سوف يلازمها لسنوات طويلة، ولن تهنأ المدرسة في ليلة من لياليها وأجزم أنها كلما وضعت رأسها على الوسادة طلباً للنوم والراحة ستشاهد وجه تلك الطفلة البريئة وكأنها تسألها.. «بأي ذنب ضربتيني»؟
ربما أن تلازم القهر والمرض أديا الى الوفاة، وربما لا شأن للضربة والمدرسة وهي بريئة من التسبب بالوفاة، لكن الموضع الذي وجدت فيه المدرسة نفسها لا تحسد عليه أبداً، وما كانت ستوضع فيه لولا انتهاجها لأسلوب غير تربوي في التعامل مع الطالبة الراحلة أسكنها الله فسيح جناته وألهم أهلها الصبر والسلوان.
هذا بالنسبة للمدرسة، أما بالنسبة لوزير التربية الدكتور نايف الحجرف الذي استقال (استشعاراً للمسؤولية)، فهناك من يمتدح خطوته تلك رغم أنه أقدم عليها قبل حتى أن تتضح النتائج من الفحوصات والتحقيقات التي أجريت وتجرى ويراها شجاعة تحسب له.
وهناك من يراها إعلاناً مبكراً للانهزام والانسحاب أمام الوضع المتردي في هذه الوزارة التي طال أمد ترهلها، وكثرت الأيادي المتحكمة أو (اللاعبة) فيها منذ أسند الأمر الى غير أهله، ووضعتها الدولة تحت إمرة من يعيثون فيها وفي مناهجها فساداً وتوجيهاً وتجارب عبثية أربكت الطلاب والمدرسين.
إن النهوض بالتعليم المدرسي والتعليم العالي في الكويت ليس مسألة اجتهادية شخصية ولا يجب أن توكل الى وزير بعينه، بل هي مسألة تحتاج إلى خطط طويلة الأمد وجهود جبارة جماعية وخبراء.
والوزير حتى لو كان (سوبر مان) في طاقته البدنية، و(اينشتاين) في قدراته العقلية فإنه لن يتمكن من الإلمام بكل ما يعتري المناهج من أخطاء ومتابعة كل ما يخص المدرسين وأساليبهم التعليمية وكل المدارس ومديريها.
الوزير مهما كانت قدراته سوف يغرق في الروتين اليومي.. البريد والطلبات والواسطات.. وإرضاء المجلس «بوصوت».. والبعد عن شرور المتحمسين للمجلس «بو اربع أصوات»، ولن يجد الوزير وقتاً يضع فيه استراتيجية ولا وضوحاً في الذهن يمكنه من الرؤية، وستدور الرحى كما كانت تدور تعرك بين صخرتيها الطلاب.. ومستقبل الكويت.
إن التعليم يحتاج إلى «مجلس أعلى» يكون هو المهيمن على شؤونه، الواضع لاستراتيجيته، المتحكم في شؤونه، وأي وزير يأتي في هذا الموقع يكون ملتزماً بتلك الرؤية والاستراتيجية مؤمناً بها منفذاً مخلصاً لها.
فقط في هذه الحالة سنخرج من أسلوب (التجربة والخطأ) الذي يوضع فيه الطلبة والمعلمون سنوياً، فقط في هذه الحالة ستكون هناك استمرارية لمنهج تطويري نهضوي واحد لا يتأثر بوزير قادم.. ولا يأسف على وزير راحل، فالقافلة التعليمية تسير في طريقها.
< السؤال: متى يمكن أن يحدث ذلك في الكويت؟
< الإجابة: إذا حجت البقر على قرونها.
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.