هديل الحويل: مجتمع يصنع كذابين

هي قاعدة سهلة الفهم, وعميقة المعنى, وجديرة بالاحترام, تعمل عمل حزام الأمان حين نصطدم مع الناس, وتمنع عنا الضرر حين نتداول مع الناس, وتقرب أرواحنا عندما تختلط بهم, هي قاعدة إذا التزمنا بها وعشنا وفقا لها ورفعنا عبء أنوفنا عنها استقامت ووضحت لنا معالمها فكان أسهل علينا أن نحيا مع أنفسنا ومع الآخر بها, والقاعدة تقول: اسأل عما لا يعنيك, تجد ما لا يرضيك.
ومعنى القاعدة يقبع في بطن حقيقة أننا كثيرا ما نعمد إلى توجيه أسئلة عدة مباشرة في تواصلنا مع الآخر, بحيث نخضع الآخر -بحكم العادة- إلى ما يشبه التحقيق, الأمر الذي يجعله إما أقل رغبة في الاستمرار في التواصل معنا وإما – وهو الأخطر- يكون أكثر ميلا للكذب.
برأيي أجد أن معظم ما يلجأ الناس الى السؤال عنه لا يحمل أدنى أثر عليهم أو على بيئتهم التي يعيشون فيها, وبالتالي فإن معظم ما يسأل عنه الناس لا يهمهم, لا من قريب ولا من بعيد, ومن أمثلة الأسئلة غير المؤثرة في حياة الناس والتي لم يزل كثيرون يتراشقونها في كل يوم هي:
سؤال الكثير عما إذا كان شخص ما قد طلق على ورق رسمي أم اختار الانفصال عن شريكه في منزل يسكن إليه وحده, فعندما استمع لأحدهم يسأل هذا السؤال أفكر طويلا في شأن السائل في هكذا تفصيل حين لا يكون هو مشاركاً في تأمين السكن الجديد, أو متحملاً لعبء الانفصال المادي, أو حين لا يكون اسما في قائمة طويلة تترتب فيها مسؤولية حضانة أبناء المطلقين, أوحين لا يكون مسؤولا عن تربية أحد الأبناء أو تعليمهم, أو حين لا يكون شيئا في حياة أي طرف من أطراف المشكلة سوى مصدر إزعاج يهدر معه أطراف المشكلة ما بقي لهم من طاقة إيجابية.
مثال آخر على الأسئلة الفارغة من المعنى -في رأيي- هو سؤال شخص خسر من وزنه القليل أو الكثير عما إذا كان لجأ الى اجراء عملية جراحية ذات طبيعة تخسيسية ليحقق بها هذا الغرض, وهنا يقف بي الحال مرة أخرى لأتساءل وبصدق عن شأن إنسان لم يشارك باتخاذ قرار إخضاع أحدهم لعملية جراحية اقتطعت جزءا من جسده, وغيرت مجرى حياته بشكلها ونوعها في هكذا معلومة, فإذا كان الباحث عن المعلومة غير مشارك في صنع قرار الجراحة, وإذا لم يكن طرفا منتفعا أو متضررا منها, وإذا كان لا يتحمل جزءا من عبئها المادي, ولا يتحمل جزءا من عبئها المعنوي فلا هو سهر على صاحب الشأن ولا حمله على كرسي ولا طببه ولا قام على راحته, فهو إذاً ليس شيئا في حياة أي طرف من أطراف القرار سوى مصدر إزعاج يهدر معه أصحاب القرار ما بقي لهم من طاقة إيجابية.
كما أظن سوءا, فإن الناس باتوا يستخدمون السؤال درعا لهم في وجه رغبة الآخرين المتقدة في توجيه الأسئلة, أي بالعامية بات معظم الناس يؤمنون بمفهوم “نم سائلا ولا تنم مسؤولا” فغدا الكل يسأل عن كل شيء وأي شيء هربا من أن يسألوا.
عوضا عن ملاحظة أن توجيه الأسئلة الخالية من كل معنى بهدف أو من دون هدف أصبح وسيلة للتسلية إما رغبة من الناس في إحراج الغير, وأما رغبة بإعلامه بطريقة فظة عن درايتهم المسبقة بمطبخ الخبر وتوابله, أو لاستخدام الآخر كجسر للوصول إلى طرف ثالث, أو أن يكون التحقيق وتوجيه الأسئلة مجرد رغبة للاستمتاع بصنع إنسان كاذب يستطيع جميع من وضعه في زاوية الكذب لاحقا أن يرفعوا اعلام الشرف وبياض السريرة على اعتاب أبواب موصدة يحكون عنه ويطعنون في كذبه خلفها.

h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.