عبداللطيف الدعيج: فكرها وهي حرة فيه

«.. تحقيق موسع شامل اداري وعسكري بشأن ما جرى تداوله من احدى المعلمات «للأسف» متهمة بقضايا أمن دولة خلال زيارة ميدانية لمجلس الأمة مع طالباتها. سيكون أحد المحاور المقدمة لوزير التربية بالجلسة الخاصة استمرار عمل هذه «المعلمة» من عدمه بفكرها المريض بتعليم بناتنا..».

هذه تغريدة للنائبة السيدة صفاء الهاشم، لم افهم منها في الواقع شيئا، خصوصا التحقيق العسكري مع معلمة مدرسة. لكن مع هذا فان الشيء الوحيد الواضح هنا هو الموقف الشمولي للسيدة النائبة وحرصها البين على فرض ما تؤمن به هي، أو ما تعتقد انه ايمان الاغلبية على معلمة المدرسة، وبالتالي على من تدرسهم.

لا ندري كيف حكمت السيدة الهاشم على فساد أو مرض فكر المعلمة التي تقصدها. فكل منا بمن فينا النائبة الفاضلة أو المدرسة المعنية نملك حقا متساويا في الفكر والاعتقاد، وليس من حق احد ايا كان ان يعترض على هذا الفكر أو الاعتقاد حتى لو خالف أو هدد مصالح كل بقية المواطنين من ألفهم الى يائهم. التعبير عن هذا الفكر أو المعتقد هو المقيد – مع الاسف – بالقوانين الرجعية التي تتغاضى عنها السيدة النائبة وبقية نواب الامة. لكن هذه مسألة أخرى، اذ يبقى هذا التعبير خاضعا لراي المحاكم وأحكام القضاء. وبما ان المعلمة التي عبرت عن فكرها (لا ندري أين) لا تزال متهمة، فان السيدة النائبة من المفروض ان تراعي حقوقها وتحترم براءتها التي لم تنقض بعد.

الأخطر من كل هذا ان النائبة الفاضلة تهدد بمساءلة وزير التربية ان لم يتخذ اجراء يعاقب بموجبه المعلمة المعنية. لان الفكر المريض، وفق اعتقاد النائبة، يهدد مستقبل وأمن من تدرسهم. المعلمة لها حق الاعتقاد بما تشاء، من فكر وديانة وآراء. لكن ليس من حقها فرض كل هذا أو أي منه على من تدرس، وليس من حقها ان تستغل موقعها كمدرسة لتمرير أو ترويج ما تعتقد به. وفق ما هو ظاهر، السيدة الهاشم تريد معاقبة المعلمة على ما تحمل من فكر، بغض النظر عن ترويجه وعن كيفية ومدى هذا الترويج. بالمناسبة فكر هذه المعلمة هو المريض من وجهة نظر النائبة، بينما فكر ومنهج دعاة التخلف وابطال مسرحيات عذاب القبر ويوم الحشر التي يروجونها بين الابرياء في المدارس، هو فكر سليم تغض النظر عنه النائبة، وربما تباركه مع مجمل اعضاء مجالس التخلف التي ابتلينا بها. هذا يصل الى الارهاب الكامل، وهي ظاهرة، مع الأسف، أخذت في الاتساع كما وكيفا منذ ان اختلف المواطنون على موضوع مرسوم الانتخابات الاخير. اذا لجأ كل طرف الى تخوين الطرف الآخر وتكفيره وادانته. واذا كان هذا مقبولا من المواطنين العاديين، ومن المتحمسين أو المتعصبين لطروحاتهم، فانه ليس مقبولا على الاطلاق من نائبة في مجلس الامة.

ان المواطنين جميعا متساوون في الحقوق والواجبات. بل ان المجتمعات الديموقراطية الحقة تشجع الاقلية وتحمي حقوقها، لان الاختلاف والصراع هما الطريق الحقيقي والوحيد للارتقاء.

عبداللطيف الدعيج

المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.