بعد الاستكانة ثورة ضد جبروت الرجل

اعتمدت الدراما المحلية منذ انطلاقتها أوائل ستينيات القرن المنصرم على طرح القضايا الاجتماعية التي يعيشها المجتمع، وكان نجوم الدراما البارزين مثل عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وغانم الصالح هم أبطال تلك الأعمال، لذا كانت الصبغة الرئيسية لتلك الأعمال هي رجالية بالدرجة الأولى، وكانت أدوار النساء هامشية أو ثانوية، لم تشهد تلك الأعمال حضورا فاعلا للشخصية النسائية باستثناء الأعمال التي استمدت أحداثها من التاريخ أو التراث، خاصة أن الساحة المحلية كانت تعاني من قلة العنصر النسائي.

ولم تتعرض الأعمال في تلك الفترة لشخصية الأم إلا من خلال إشارات بسيطة وعابرة وبصورة نمطية، فقدت العمق الدرامي أو التأثير في البنية الأساسية للأعمال الفنية إلا فيما ندر.

وقد صوَّرت معظم الأعمال الدرامية الأم مسكينة مستكينة قانعة بحياتها، قلما تدخل في جدال مع الرجل، خاضعة لسطوته تأتمر بأمره، تسمع كلامه ولا تثور عليه.

صورة نمطية

يمكن التوقف عند الصورة التي قدمها مسلسل «درب الزلق» للأم، وهي الشخصية التي لعبها باقتدار الفنان الراحل عبدالعزيز النمش، وهو الذي لعب دور الأم في عشرات الأعمال المسرحية والدرامية.

في «درب الزلق» قدم النمش شخصية الأم التي تعاني بعد وفاة زوجها، وتتفرغ لرعاية ابنيها سعد وعبدالحسين، وتشعر أن الزمن يسير عكس أحلامها التي رسمتها في حياتها.

يقدم المسلسل الأم التي تريد الزواج من جارها الأرمل «بو صالح»، لكنها تخشى زعل ابنيها، وتواجه رفضا من ابنها حسين على وجه الخصوص، بينما يوافق ابنها سعد لأنه يريد الزواج من بنت بو صالح.

المسلسل يقدم الصورة النمطية للأم الكويتية الطيبة في عطائها وتضحيتها، التي تحاول الحفاظ على أسرتها وتضحي بسعادتها في سبيل ذلك، وتعيش في صراع بين أبنائها وبين رغبتها في الزواج من جديد لكنها تصطدم بالكثير من المعوقات الاجتماعية والأسرية.

وهي صورة الأم التي تعيش في مجتمع محافظ جدا، وتجسد حالة الكثير من الأمهات في تلك الفترة، الأمهات اللاتي يضعن مستقبل أسرهن وأبنائهن وأزواجهن فوق كل اعتبار، لذا تعاطف المشاهدون مع شخصيتها خاصة أن النمش كان يحظى بشعبية جارفة في الكويت لنجاحه في تقديم شخصية المرأة الكويتية خاصة على خشبة المسرح.

وظلت تلك الصورة للأم هي النموذج الأبرز في الدراما المحلية خلال فترة السبعينيات، الشخصية التي تدور في فلك الزوج، وترعاه وتراعي مصالحه.

نقلة فنية

يشكل مسلسل «خالتي قماشة» مرحلة مهمة في تاريخ الدراما المحلية، فقد كشف أولا عن قدرات كاتب درامي قادر على تصوير مشاكل البيت الكويتي في تلك الفترة، وهو الكاتب الراحل طارق عثمان الذي نجح بامتياز في تغيير ثوب الدراما المحلية، ومنحها قوة من خلال قدرته على تجسيد الشخصيات الدرامية لا سيما الشخصية النسائية، ومن أعماله في هذا المجال «خرج ولم يعد، إلى أبي وأمي مع التحية، عاد ولكن، الأسوار…».

وقد توج ذلك بمسلسله الأكثر شهرة والأكثر تماسكا والأبرز نجاحا خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي.

في المسلسل يجتمع عدد كبير من نجوم الدراما الكويتية مثل خالد النفيسي وحياة الفهد وغانم الصالح وسعاد عبدالله ومريم الصالح وعلي المفيدي وعبدالرحمن العقل وخليل اسماعيل واستقلال أحمد ورجاء محمد وغيرهم.

والمسلسل أيضا قدم شخصية الأم في صورة لم تعهدها الدراما المحلية من قبل، وأسندت الشخصية للفنانة القديرة حياة الفهد التي أضافت إليها الكثير من اللمسات الفنية.

الأم في المسلسل لا تقف عند حد رعاية ابنائها بل تتجاوزه لفرض شخصيتها وسطوتها عليهم، تريدهم أن يأتمروا بأمرها ولا يرفضون لها طلبا، تتدخل في حياتهم الشخصية، وتراقبهم أينما ذهبوا، وتتجاوز ذلك كله إلى وضع آلات تصوير «كاميرا» تراقب حركاتهم وأحاديثهم مع زوجاتهم.

ويمكن الإشارة أيضا إلى مسلسل «الأسوار» والفنانة حياة الفهد التي أبدعت في دور الأم، وكذلك المسلسل التربوي «إلى أبي وأمي مع التحية».

نجمات وأمهات

بعد مسلسل «سليمان الطيب» حدث تحول جذري في نمط الشخصية التي تلعبها كل من الفنانتين سعاد عبدالله وحياة الفهد، وبدأت تقديم شخصية الأم في أعمالها الدرامية، ولكل منهما مسار مختلف عن الأخرى.

فقد ركزت الفنانة حياة الفهد على أداء شخصية المرأة في كويت الماضي، الزوجة والأم التي تضحي من أجل أسرتها، وتتحمل الظلم والعذاب والقهر، لكنها لا تبقى مستكينة إلى الأبد بل تثور على العادات والتقاليد، وتكسر القيود، ويتحول ضعفها إلى قوة جارفة.

ومن أبرز الأعمال التي أدت فيها الفنانة حياة الفهد دور الأم «الخراز» و«حبر العيون» وعدد من الأعمال الأخرى التي أضافت فيها الفهد لمسات مهمة للشخصية المحورية في العمل.

أما الفنانة سعاد عبدالله فقد لعبت دور الأم في عدد من الأعمال مثل «الرحى، شاهين، زوارة خميس، أم البنات»، وأخيرا دورها في مسلسل «خوات دنيا»، وفي معظم تلك الأعمال أدت سعاد عبدالله دور الأم التي تهتم بأبنائها، وترعاهم وترفض الظلم مهما كان مصدره. وتتفق كل من حياة الفهد وسعاد عبدالله على أداء شخصية الأم التي تثور في وجه الظلم، الأم التي ترفض القيود وتتحدى الرجل.

شخصية مركبة

من المهم أيضا الإشارة إلى الدور المركب الذي قدمته الفنانة أمل عباس في مسلسل «خوات دنيا»، حيث أدت شخصية الأم الضريرة التي تحاول جاهدة منع ابنتها من الخروج عن طاعتها، وهو على قصر مساحته من أجمل الأدوار التي قدمتها هذه الفنانة عبر مشوارها الفني الطويل.

كما يمكن الإشارة إلى الفنانة هدى حسين التي أدت دورا مميزا في مسلسل «حلفت عمري»، وأيضا دورها الجميل في مسلسل «عيون الحب» حيث تفوقت على نفسها وأبدعت في أدائها.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.